مواقف الأطراف المشاركة في الحكومة تجاه التظاهرات الاحتجاجية تكشف عن عمق الخلاف السياسي ، فلكل كتلة نيابية وحزب وتيار وتنظيم سياسي رؤياه للأحداث والمستجدات ، وحتى داخل الكتلة الواحدة ، يأخذ الخلاف شكلا آخر يعكس هشاشة التماسك بين مكونات تلك الكتلة ، فمكونات التحالف الوطني الذي يقود الحكومة لم يبلور موقفه الموحد بخصوص مطالب المحتجين ، ومثل هذا الأمر ينسحب على بقية الكتل الأخرى .
جذور الخلاف تمتد إلى قضايا جوهرية ليست وليدة اليوم ، ومنها الموقف من تعديل الدستور ، وتحقيق مبدأ الشراكة في إدارة البلاد ، وقبل ذلك تنفيذ اتفاق أربيل ، وهذه الصورة في المشهد السياسي العراقي ليست جديدة ، فهي حاضرة منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية ، ثم تشكيل الحكومة فأصبحت علامة فارقة للحياة السياسية في البلاد ، بفعل اتساع الخلاف حتى على مسائل غير جوهرية .
مطالب المتظاهرين جعلت الخلاف يطفو على سطح المياه الراكدة ، تمثل بموقف معارض لها وآخر داعم لهذا التوجه ، بوصفه حقا ضمنه الدستور ، والغريب في الأمر أن المؤيدين والمعارضين يعززون مواقفهم بالاستناد إلى الرغبة الشعبية ، فالمؤيدون يشيرون إلى أن احتجاجات المحافظات الغربية مشروعة والحكومة ملزمة بتنفيذها بأسرع وقت ، أما المعارضون فيرون في التظاهرات أحد عوامل إثارة الانقسام الطائفي.
معارضو ومؤيدو التظاهرات من الكتل النيابية اتفقوا على تشكيل لجنة خماسية تأخذ على عاتقها إمكانية تحقيق إجماع داخل البرلمان لتمرير القوانين المعطلة ومنها العفو العام ، ومشاريع أخرى تتعلق بالمساءلة والعدالة والتعاطي مع المادة أربعة إرهاب ، وبعد عقد عدة اجتماعات في إطار ما يعرف بالملتقى الوطني ، لم تتوصل اللجنة إلى نتائج نهائية ، لأن كل طرف مازال مصرا على التمسك بموقفه تجاه مطالب المتظاهرين ، والجميع يزعم الالتزام بالدستور ، وهذا مؤشر حسن ، لكنه على ارض الواقع لا أساس له من الصحة .
التمسك بالدستور ينبغي أن يعزز المسار الديمقراطي ، في حال عبّرت المواقف عن حرص أكيد على التمسك بالدستور والتعامل مع مواده بوصفه المرجعية القانونية العليا لتنظيم الحياة السياسية ، ولكن ما يثير القلق والشكوك والمخاوف أن يكون اعتماد الدستور لغرض تحقيق مكاسب آنية ، ثم يتم التخلي عنه أو خرق مواده ، لأنها تقف عائقا أمام الحصول على المزيد من الامتيازات والمكاسب.
أثبتت الأحداث أن الأطراف المشاركة في الحكومة تتعامل مع الدستور طبقا لمزاجها، ومواقفها تنطلق من تفسيراتها بمقدار ما تحقق من مكاسب حزبية وفئوية ، لصالحها ، ومشكلة" المزاج الدستوري" نظرية عراقية مبتكرة كانت و ما زالت سببا في تعميق الخلاف وبقاء الملفات الشائكة من دون حل وحسم ، وحينما يلمس العراقيون حرص النخب السياسية على التمسك بالدستور بشكل حقيقي والتعامل مع مواده بوصفه المرجعية القانونية العليا لتنظيم الحياة السياسية ، حينذاك سيتم تجاوز جميع الأزمات ، ولكن الأمر مستبعد مادامت نظرية المزاج الدستوري سائدة وأصبحت علامة فارقة للعملية السياسية .
مزاج دستوري
[post-views]
نشر في: 25 فبراير, 2013: 08:00 م