أثرت نظرية دارون في التطور، على الكثير من العلوم الانسانية، حتى باتت التطورية أو التطور فكرة حاول الكثير من الباحثين والعلماء إقحامها في أغلب النتائج البحثية، ومن هنا جاءت فكرة التطور في الانثروبولوجيا لتعالج تغيّر الثقافات من منظور تطوري، معتبرة ان المجتمعات تتطور ثقافيا من مستوى ثقافي أدنى إلى آخر أعلى، متخذة من النموذج الثقافي الغربي مقياساً للحد الأعلى من التطور. لكن هذه الفكرة جوبهت بنقد لاذع حولها إلى تراث علمي. والأساس الذي قام عليه هذا النقد هو رفض فكرة تمييز المجتمعات إلى مجتمعات عليا وأخرى دنيا، خاصّة وأن الدراسات أثبتت بأن العقل البشري واحد في جميع الثقافات، ولا يختلف بين مجتمع وآخر، وأن الظروف هي التي تختلف وتدفع عقلاً ما، إلى الإنتاج أكثر من غيره.
لكن فكرة التمييز الثقافي عادت لتجد صداها عندي هذه الأيام، ربما بسبب الاحباط الذي أعاني منه باعتباري عربيا لا يجد ما يبرر تساوي ثقافته مع الثقافات المنتجة في هذا العصر، الأمر الذي يدفعني إلى التساؤل عن حقيقة تساوي المستويات العقلية بين أفراد المجتمعات المنتجة وبين أفراد المجتمعات "الكسولة" أو "العالة" على غيرها، فلا اجد ان حقيقة التساوي هذه تجد مبرراتها الكافية. كيف اقتنع بالتساوي وأنا لا اجد في الثقافة التي انتمي اليها اي مُنَتج يجعلها مؤهلة لمساواة غيرها من الثقافات؟
أنا في الحقيقة لا أعرف العلة التي جعلت المجتمعات الغربية، مجتمعات منتجة للفلسفات، ثم للعلوم، والمجتمعات الشرقية مجتمعات منتجة للأديان. وهذا لا يعني بأنني أعتبر الأديان مُنْتَج أدنى بالنسبة للفلسفات والعلوم، لكنني فقط أتساءل؛ هل أن العلة التي جعلت هذا العقل يختص بانتاج الفلسفة وذاك يختص بانتاج الدين، هي علة ثقافية، أم أنها علة بايولوجية؟ فما أدرانا، ربما الظروف والدواعي التي أنتجت الطفرة الوراثية وتسببت بقفزة الوعي التي أدت إلى إنتاج الثقافة، لم تزل تفعل فعلها وربما أدت لأن تكون عقولنا كعرب أقل قدرة أو أهلية من عقول الأمم الأخرى؟ وفعلاً هل هناك مجال لأن نكون عرضة لمرض جيني يجعلنا قاصرين عن مواكبة الأمم القافزة تكنولوجياً؟
جميع التعليقات 1
مثنى ابراهيم
يزداد احترامى واعجابى لك كلما قرات كتاباتك