ترجمة /نجاح الجبيليالكاتب الإسباني خوزيه كاميلو ثيلا ولد في 11 مايس 1916 في "أريا فلافيا"/أسبانيا، حاز على جائزة نوبل للآداب عام 1989 ولعله مشهور بروايته " عائلة باسكوال دوارته" الصادرة عام 1942 ومانح حياة جديدة للأدب الأسباني.
يتميز إنتاجه الأدبي من الروايات والقصص القصيرة ويوميات السفر بالتجريب والإبداع في الشكل والمحتوى، وينسب إليه بعض النقاد كمؤسس لأسلوب سردي يعرف بـ"TREMENDISMO " يتميز بالميل إلى التأكيد على العنف والتصوير الغريب. دخل "ثيلا" جامعة مدريد قبل وبعد الحرب الأهلية الأسبانية (36-1939) التي خدم في أثنائها في جيش فرانكو. تأثرت مهنته الأدبية واهتماماته عميقاً بقبوله في البداية بالحكم الدكتاتوري لـ"فرانكو" ثم رفضه له أخيراً. ورسّخت روايته الأولى "باسكوال دوراته" مكانته في أوربا.وعلى الرغم من شكلها التقليدي إلا أنها اشتهرت ونالت استحساناً نقدياً وتتميز روايته الثانية "خلية النحل" الصادرة عام 1951 بتسلسلها التاريخي المجزأ والحشد الكبير لشخصياتها وهي قصة إبداعية ذكية عن مدريد ما بعد الحرب رسخت مكانته بين الجمهور والنقاد ومن أحسن رواياته الرائدة المشهورة "سان كاميلو1936" الصادرة عام 1969 وهي عبارة عن تيار وعي مستمر. إن قوة الملاحظة الشديدة والمهارة في تلوين الوصف ظاهران أيضاً في أدب رحلاته ويعتمدان أساساً على جولاته عبر ريف أسبانيا وزيارته إلى أقطار أميركا اللاتينية. وأكثر هذه الكتب شهرة "رحلة إلى ألكاريا-1948" و " من ميو إلى بيداسوا" و "يهود ومغاربة ومسيحيون-1956" ، ومن أضخم مجموعاته القصصية " السحب العابرة" وأربعة أعمال بضمنها مجموعة "الطاحونة مع قصص قصيرة أخرى-1956". كتب "ثيلا" أيضاً مقالات وشعر ومذكرات وفي سنواته الأخيرة ظهر في التلفزيون بصورة متتالية. استقر في عام 1955 في "مايوركا" حيث أسس "ثيلا " في عام 1956 المجلة الأدبية الأسبانية المؤثرة "أوراق سون أرمادوس" وعمل فيما بعد محرراً لها. شرع في عام 1968 بنشر سلسلة كتاب" القواميس السرية" وهو مصنف من الكلمات والعبارات المشهورة غير الصالحة للطبع لمنافاتها للأخلاق. توفي في عام 2002 عن عمر 85 سنة، وفي ما يلي عرض لروايته "عائلة باسكوال دوراته": لا يوجد تفسير للطرق الغامضة للناشرين أو أهواء الذوق العام، ومع أن رواية "كاميلو خوزيه ثيلا" "خلية النحل" نشرت بهدوء في الولايات المتحدة عام 1954 فقد ظهرت روايته "عائلة باسكوال دوارته" مترجمة إلى الإنكليزية عام 1964 مع أنها نشرت في أسبانيا عام 1942، على الرغم من وجود إجماع نقدي عام على أن "ثيلا" هو الأفضل من بين الروائيين الأسبانيين المعاصرين وهو فعلاً الروائي الأكثر تميزاً منذ "بيو بارخا". إن الخسارة هي خسارتنا، فالرواية لا شيء يشبهها في اللغة الإنكليزية، وهي مثلما يطلق عليها تماماً بالإسبانية ( أغنية عميقة cante hondo ) –صرخة الدم الخالدة التي تفوق الوصف ولا يوجد نظير لها في تقليدنا الموسيقي. لقد طوّع السرد تماماً في رواية "ثيلا" وهو يجري ضد السطح المستوي باندفاع هائل لكنه بالكاد يظهر للعيان. إن جمرات حياة " دوارته" تحترق بشدة وبدخان بلا لهب. وبين حين وآخر وعند المنعطفات الحاسمة تنطلق الأحداث المقطوعة أو أجزاء الحدث مثل نفث الشعلة، تحترق ثم تستنفد. يستعمل "ثيلا" الطريقة القديمة للرواية بصيغة مذكرة اكتشفها غريب بعد تنفيذ حكم الإعدام بالبطل. كان الفلاح "دوارته" في زنزانته ينتظر الموت وكأنه يغازل عروساً سوداء على نحو غريزي، ويدون حياته في محاولة لفهمها وإحياء ذكراها وامتلاكها بإعطائها الشكل المطلوب. يبحث في طفولته القاسية –الأب العنيد، الأم الفاسقة النكدة التي عذبته، الأخت المحبوبة التي تصبح مومساً بعد أن أصابها اليأس لأنه يبدو أنه لا بديل لها سوى ذلك، حسب الظروف الشديدة التي تسلطها عليهم الحياة القاسية. لكن هذه ليست رواية واقعية اجتماعية وهي ليست مصادر لأعمال العنف المتفجرة لـ"دوارته" –الطعن، الاغتيالات، الألم المبرح. لا تكمن هذه الأفعال الدموية في السيكولوجيا بل في اللاوعي الجمعي للشعب كله-جنس من الناس لم "يفهموا" تلك الأفعال الفظيعة ويستطيعون مع ذلك أن يصدحوا بالأغاني لها. وبهذا المعنى تكون رواية "دوارته" أغنية مهيبة كئيبة عن الموت والدم والأرض الأسبانية يحركها الشعر الأسود لأسبانيا-مرتلة، محتومة ولدت قبل الزمن وخارجه. في كل هذا يكون "ثيلا" أسبانياً بكل معنى الكلمة وخارج نطاق التقاليد الأوربية. إن السرد المقصّر- وهو دفن السرد في "القول" والضغط المذهل للحدث وترتيبه والزمن- توجهنا إلى ماهية الرواية: حكاية فلكلورية، فلكلور، أغنية فلكلورية، التجربة التي تمثل الشك
خوزيه كاميلو ثيلا.. الموت والدم والأرض الاسبانية
نشر في: 26 أكتوبر, 2009: 06:33 م