الرئيسية > أعمدة واراء > ليبرمان الإنطباعي الذي اقتفى دالي خطاه

ليبرمان الإنطباعي الذي اقتفى دالي خطاه

نشر في: 26 فبراير, 2013: 08:00 م

لم تبالغ صالة الفنون في مدينة بريمن الألمانية عندما عنونت معرض ماكس ليبرمان بـ "الانطباعي الألماني"، تلك هي الحقيقة، وإذا أعطت الأولوية في ممرات الصالة للوحات البراقة الألوان لفترة 1900 المصنفة ضمن أعماله الأولى، إنما لأن منظميّ المعرض أرادوا عرض الفارق بين تلك اللوحات المختلفة عن لوحات معاصريه الألمان المعتمة (لوحات نولته مثلاً)، مثلما أرادوا تأكيد حقيقة "سياسية" نقدية من خلال لوحات الرسام القادم من عائلة بورجوازية الذي شتمه النقاد الرسميون لأنه رسم "الناس العاملين" و "راعيات البقر".

المعرض سلط الضوء أيضاً على وجهي الرسام: الوجه الأول الذي يمثل الانطباعات الكئيبة للأعوام الخمسة عشر من بداية القرن الماضي (الحرب العالمية الأولى)، التي بينت عدم تصالح الفنان مع زمانه، حيث رسم لوحات افتفدت الرقة والتي "يقترب شحوبها بعض الشيء من أعمال أدوارد مونيه"؛ والوجه الثاني الذي تُعـد لوحاته اليوم مجرد "تمثيل شعبي فني" والتي هي حسب جملة لليبرمان"لا تحمل شيئاً في داخلها أكثر من الظاهر" تريد رفع قيمة السطحي، المحتقر من قبل الفن الرسمي، لا غير.

المعرض منُظم بصورة جيدة لتسهيل الجهد على الزوار ومتأملي لوحاته، فهناك من جهة عُلقت الأعمال الصغيرة المُخططة على الورق، والصور التي تشبه اللوحات المرسومة بالباستيل واللوحات الزيتية التي هي  بالحجم ذاته، والتي عُلقت بجانب بعض على الجدار وكأنها صفحات كتاب مربوطة مع بعض بتتابع.

من الجهة الأخرى، عُلقت الأعمال الكبيرة وفق مواضيعها، هكذا رُتبت اللوحات التي صورت قطيع البقر بجانب بعض، مثل تلك التي صورت قطيع العنزات بغض النظر عن الزمن الذي رُسمت فيه، لكي تُظهر قرابة هذه اللوحات مع الرسم الهولندي في القرن السابع عشر، الأمر نفسه حصل مع تلك اللوحات التي صوَّرت مشاهد الشواطىء والسباحة والتجول عند البحر في زمن السياحة "الجماهيري" إلى أماكن حمامات العلاج الهولندية المشهورة، المسبح وملابس السباحة تبدو منظمة لهارمونية رقيقة وتشابك عفوي لأشكال لونية تعكس من خلال خطوطها المتقنة دراسات تخطيطية دقيقة. بالروح نفسها عُرضت لوحات "لاعبو البولو في هامبورغ"، التي تشبه عوالمها عوالم ديغاس البحرية في تجسيدها الفراغ والبطر وراحة البال الذين إنتهوا مع نشوب الحرب العالمية الأولى. إضافة إلى ذلك لوحات تصور الأزقة اليهودية في أمستردام: عوالم مرصودة بشكل دقيق، مفهومة بسرعة، ومرسومة بانطباعات قوية، ثم اللوحات التي تصور الشوارع المشجرة وحدائق الشراب في ميونيخ، المناظر المزدحمة بالبشر والحيوية جداً، المليئة بحياة غير عادية، بورتيهات شخصية، وفي النهاية اللوحات المتعددة الوجوه التي رسمها ليبرمان لحديقة بيته في "فانسيه" في برلين: فضاءات اللوحة الخضراء والملونة ـ أعمال متأخرة تلغي الحدود بين اللوحة المنتهية ومادة لون التخطيط الزيتي المفتوح الفضاء.

من "رسول القبح" (هكذا سماه النقاد الرسميون) في السنوات الأولى تطور "أستاذ الأفراح الصيفية"، وإضافة إلى منحه لقب "الرسام الوطني"، حصل أيضاً على ألقاب أخرى من النقاد أنفسهم: مثل "رسام الحدائق الألمانية" و"رسام الرؤى الممتعة"، ففي النهاية وبعد أن أصبح مشهوراً تقبلته البورجوازية الألمانية بصفته ابنها البار، ولم يخب ليبرمان ظنها، فهو مثل الإسباني سلفادور دالي، "الابن الضال" الذي رجع إلى السلطة ورسم بورتريهات للجنرال الكريه فرانكو وعائلته، (ربما وجد دالي فيه مثالاً!) إذ بعد تمرده على الذوق البورجوازي السائد (وإن لم يكن بحدة تمرد الانطباعيين الفرنسيين) تصالح ماكس لبيرمان مع السلطة العليا ورسم في الثمانين من عمره بورتريهاً للجنرال الألماني هيندينبورغ وكأن الفنان فرغ من مادته تماماً.ليبرمان الذي توفي في عام 1935، مؤسس الانطباعية الألمانية، كان ربما قد قبل التلاؤم مع هتلر الذي مر في الأسبوع الماضي ثمانين عاماً على صعوده إلى عرش السلطة الألماني في عام 1933 لو لم يتح له هتلر نفسه أية فرصة بسبب أصله اليهودي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

قناطر: العالم يتوحش .. المخالبُ في لحمنا

العمود الثامن: قوات سحل الشعب

"الحشد الشعبي"... شرعنة التشكيل بوظائف جديدة

كلاكيت: "ندم" وعودة الفيلم الجماهيري

الحاكم بمنظور إمام سلطة الحق

العمود الثامن: المتشائل

 علي حسين أعترف أنّ الكتابة اليومية تتطلب من صاحبها جهداً كبيراً، فصاحب النافذة اليومية مطلوب منه أن يُقدِّم شيئاً يتجاوز ما اطلعت عليه الناس في الأخبار، وشاهدته من خلال الفضائيات، فالعبور إلى جسر...
علي حسين

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

زهير الجزائري 2 بين القتال والهدنةً القصيرة تغيرت الحياة الاجتماعية. لقد قضى الناس أياماً طوالًا في الملاجئ. نساء ورجال حشروا في مكان ضيق. شبان لم يعرفوا السياسة و ما أرادوا أن يعرفوها انفصلوا عن...
زهير الجزائري

اشكالية السياسة والتعصب تحليل سيكولوجي

د. قاسم حسين صالح المفهوم الشائع عند العراقيين بمن فيهم الكثير من المثقفين ، ان المتدينين يكونون متعصبين والمثقفين متحررين وغير متعصبين ، فهل هذا صحيح ام فيه رأي آخر ؟ لنبدأ بتحديد المفهوم...
د.قاسم حسين صالح

باليت المدى: كرسي مكسور الساق

 ستار كاووش عندَ لقائي ببعض الناس أفاجئ ببعض التفاصيل الصغيرة التي تُشير الى نوع من الكسل واللامبالاة وعدم إيجاد الحلول حتى وأن كانت صغيرة. فرغم إنغماس أحدهم بتعديلِ صُوَرِهِ ببرامج الفوتو شوب كي...
ستار كاووش
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram