TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > تخوم المعرفة المظلمة

تخوم المعرفة المظلمة

نشر في: 26 فبراير, 2013: 08:00 م

ولعي بسينما الخيال العلمي لا يضاهيه ولع، حتى لا أكاد أشاهد غير أفلام هذه السينما، وكنت أحسب، فيما مضى، أن سبب هذا الولع هو حبي للأفكار العلمية التي تطرحها هذه الأفلام وتعبّر من خلالها عن طوحات الكائن البشري الجامحة. لكن في السنين الأخيرة، بدأت أميل، أيضاً، لمتابعة أفلام الأساطير، كسلسلتي أفلام "سيد الخواتم" و"هاري بوتر"، ومنذ ذلك الوقت شككت بالسبب الكامن وراء متابعتي أفلام الخيال العلمي؛ فأفلام الأسطورة لا تكاد أن تطرح غير أساطير مغرقة بخياليتها، والأساطير لا تُشْبع غير رغبتنا بالتخيل، أو ميلنا للهروب من الواقع. إذاً، ما الذي يجعلني مولعاً بمتابعة أفلام الأساطير؟
هذا السؤال سبقه سؤال آخر، هو؛ لماذا قفزت فجأة إلى أعلى مبيعات شباك التذاكر، الأفلام التي تعالج الأساطير القديمة، كأساطير الآلهة اليونانية، مثلاً؟ فحجم مبيعات هذه الأفلام يكشف عن اهتمام جماهيري واسع، وهو أمر لا بد أن يرسم علامة استفهام كبيرة.
شخصياً أجد بأن الثقة العلمية، التي سادت في القرون الأخيرة، وبشرت باكتشاف المعرفة الكاملة، أو القوانين التي تفسر كل شيء. هذه الثقة تزعزعت، الأمر الذي أفقد الصرامة العلمية بريقها، وهو بريق استطاع ولوقت طويل أن يُحَوّل كل ما يتعلق بالخيال إلى نكتة يخشى غالبية الناس تناولها. المعرفة العلمية اليوم تقف بمواجهة علامات استفهام من نمط مختلف، نمط أحسب أنه يتجاوز قدرات الوعي البشري، ما جعل العقول البشرية "الكبيرة" تقف بنا على حافّة مواضيع بحث واهتمامات، هي أقرب للخيال منها إلى الواقع. كنظرية الأوتار التي تحاول أن تؤكد بأن الوجود ينبثق بسبب اهتزازات أوتار متناهية الصغر وتشترك بعزف ما يشبه السيمفونية الكونية. من هنا يبدو أن الميل تجاه أفلام الخيال والأسطورة يجد مبرراته في هذه التخوم. أقصد تخوم الواقع الخيالي، فالعلماء لم يعودوا متأكدين، الآن، فيما إذا كان الخيال يمثل نكتة مضحكة لدرجة كبيرة، لأن واقع الأجسام الصغيرة الذي نزلوا لدراسته يؤكد لهم، يوماً بعد آخر، بأن الواقع قد لا يكون واقعياً بالشكل الذي حددناه عن مفهوم الواقعية. واقع يمكن أن يكون فيه الجُسَيم الطبيعي قادراً على مراوغة التنبؤ العلمي بشكل مذهل.
في القرون الأربعة السابقة، حاول علماء الطبيعة أن يُشَيّدوا جداراً عازلا بيننا وبين قدرتنا التخيليّة، جداراً حرّم على هذه القدرة ممارسة أيّ مشاركة بترسيم ملامح المعرفة العلمية؛ باعتبارها قدرة مُظَلِّلة. اليوم أتابع تزايد عدد الشقوق في هذا الجدار، ما يبشرني بعصر ينفتح فيه العلمي على الخيالي، عصر نعيد فيه بناء هيكل وعينا المقدس ونخليه من كثير من أوثان معرفتنا البالية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram