في كل شباط حتى نهاية هذا القرن علينا أن نتذكر ما فعله الشباب في ساحة التحرير ببغداد ونظائرها في كل المدن. لقد استدرج الشباب "الجنرالات" و"السلاطين" الى الشارع وأخرجوهم من المنطقة الخضراء وكشفوا وجههم الحقيقي ونقص حكمتهم وقابليتهم على التخبط. والسلاطين والجنرالات لم يحسنوا كالعادة قياس الزمن السياسي، فوقعوا في الفخ.
مظاهرات الشباب لم تفشل، بل ادت ما عليها حين مارست الفضح والتعرية. اما نتائجها فكانت على طاولة المجتمعين في أربيل والنجف، وفي الجزء الصحيح من مظاهرات المنطقة الغربية. وستظل نتائج حراك شباط تظهر تباعا، في كل مرة يفشل السلطان في اعلان سلطنته، ويضطر لقبول التعدد السياسي والثقافي في البلاد.
كانت مظاهرات شباط تعلن بنجاح ان "سيستم" التعددية والانفتاح بدأ يعمل، وان لا عودة للدكتاتورية والتشدد. كانت اول مظاهرات لم يدعمها مرجع ديني ولا حزب ولا عشيرة، بل منحت شرعية الاحتجاج لكثير من القوى الاجتماعية والسياسية والدينية، التي صارت فيما بعد تحتج بقوة على السلطان وتكبح جماحه.
الان وبعد مرور عامين، يتاح لنا ان نتأمل المشهد بنحو افضل. تعالوا معي نلاحظ بعض الزوايا الحادة للمشهد الشبابي.
في لحظة عجز الجميع واستسلامهم، وفي لحظة نشوة السلطان وشعوره بالزهو والنصر الفارغ وبعد اسابيع على تشكيل حكومته الثانية، جاؤوا. احراق بوعزيزي لنفسه، ألهب الارواح التي تشعر بالقمع، وحصل ما حصل. لازلت انصت لتلك الهتافات الشرعية وسط ساحات التحرير العراقية. لنواصل التحديق في الصور القديمة التي لا تموت، وصوت هادي المهدي "وجماعة باطل" وغيرهم من الشباب.
لقد حصلت مظاهرات شباط على شرعية عراقية من اقصى الوطن الى اقصاه، فمنحت للساسة والجمهور زخما وشرعية لكي يكبحوا جماح المالكي في محطات كثيرة لاحقة. ودون ان اتورط في مبالغة اقول، لولا مظاهرات شباط لما وجدنا محور اربيل نجف الذي اطلق اهم عملية لكبح جماح السلطان وفريقه السياسي والعسكري. ولولا محور اربيل نجف، لما توفر الجو المناسب لاطلاق كل هذا الاحتجاج في المنطقة الغربية.
انني لا انسى هنا مظاهرات الكهرباء في البصرة والناصرية صيف 2010 والتي اتسعت لتشمل عشر محافظات لاحقا. فقد كانت "البروفا" الاولى لاول احتجاج مدني غير محمي من مراكز القوى الدينية والاجتماعية. وظلت البروفا محدودة لكنها ملهمة تنتظر تطويرا.
وهكذا كان الجديد في حراك شباط 2011، انه اول احتجاج كبير تطلقه مجاميع شبابية وتدعمه مراكز القوى والتيارات المدنية، مثقفون وكتاب وناشطون مدنيون. المالكي لم يصدق، والحراك منح فرصة للمالكي كي يتعلم، والاخير لا يتعلم. تعالوا نشاهد حقيقة ما حصل.
صيحات شباب شباط، استدرجت المالكي الى الشارع لاول مرة. ولاول مرة لم يواجه االسلطان مسلحين بل ناشطين مدنيين معروفين. استدرجوه بهدف اظهاره على حقيقته وكشف كذبة "القانون والمدنية" التي فاز بها الانتخابات الماضية. فوقع في فخ المظاهرات وكشف عن وجهه الحقيقي فأطلق الشتائم وهدد واعتقل وضرب وبدا متلعثما متخبطا، والتصقت به عاهة التلعثم حتى هذه اللحظة. تذكروا فقط ان اخطاءه مع مظاهرات الغربية ولدت مع اخطائه في مظاهرات الكهرباء ثم مظاهرات شباط.
في البصرة والناصرية 2010 قتلوا الشباب واعتقلوا العشرات طالبين منهم ان يوقعوا على تعهد "بعدم اثارة الشغب". وحاولوا تكرار ذلك مع شباب شباط مرتين، حين اعتقلوا جماعة هادي المهدي ثم جماعة "باطل" ففشلوا في انتزاع اي تعهد.
لاحظوا زاوية اكثر اثارة. في شباط كان الامر لقاء مثيرا بين المثقفين، وجنرالات السلطان. جنرالات السلطان اختصاصهم عبر الزمن هو ترويع النخبة ذات اللسان الطويل. لكنهم كانوا يقطعون لسان النخبة والشباب يوم كان العراق جزيرة معزولة، اما وقد ظهر الفيسبوك والفضاء الرقمي فإن اللسان لم يعد عضلة وردية يمكن للجنرال قطعها.. بل صرخة بليغة في عالم الميغا الاكثر فتكا من كل مسدسات العسكر.
كان لقاء مثيرا بين العسكر والنخبة الثقافية، ولقاء مثيرا كذلك بين غرور حزب الدعوة وشباب شباط. فثأر العسكر وحزب الدعوة لغرورهم حين احتلوا ساحة التحرير بمجالس الاسناد في حزيران 2011. ثم تخيلوا ان اللقاء المثير انتهى، وان اعتراض الشباب المدوي قد اخمد. لم يحسنوا قياس الزمن السياسي ثانية.
وقد مرت بالفعل لحظة يأس وغصة حين قتلوا هادي وحين ضربونا في التحرير. لكن الاعتراض لا يموت طالما ظل السلطان يخطئ. ومنذ ربيع ٢٠١٢ وشباب شباط يجلسون باسترخاء خلف شاشات الحاسوب ليتفرجوا على اكثر المشاهد امتاعا. لقد شعروا انهم منحوا الشرعية لتحالف ١٩ ايار بين اربيل والنجف والعراقية. وكانت كل اللكمات التي يتعرض لها فريق السلطان عبر خصومه، ردا على كل اخطاء حزب الدعوة وحلفائه العسكر، لكمات تتم بيد شباب كل ساحات التحرير في العراق.
شباب شباط اثبتوا ان المالكي وجنرالاته الذين داسوا قصائد الشعراء بأقدامهم، ليسوا طرفا صالحا للتفاوض ولا طرفا موثوقا يمكن ابرام صفقة معه. وقد سهل شباب شباط ادراك هذه الحقيقة على كل اطراف اربيل – نجف، وعلى احتجاجات المنطقة الغربية التي ترفض اي مفاوضات مطالبة باستبدال المفاوض الذي جرى استدراجه، فاعترف.. ووصل نقطة العجز، وندم لأنه داس قصائد الشعراء في ساحة التحرير. لن ننسى حراك شباط.
المالكي عارياً يا شباب "شباط"
[post-views]
نشر في: 26 فبراير, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 7
Souad
سرمد الطائي,علي حسين واحمد المهنا, اسمائكم وكتاباتكم اصبحت كالهواء النقي الذي يعيد الحياه للانسان الحقيقي في بلاد الموت والخراب, سرمدالطائي لك رؤيه ثاقبه للاحداث وذكاء الحوار والحجج, لا اطلب غير ان تحافض علي هذا الصوت, صوتك المهم في هذه المرحله الخطيره ال
كاطع جواد
من لم يستمع لشعبه لا يهنأ له بال ومن لم يستمع لشعبه تأكله الوساوس ولا يحصد الا الخيبة فقوة الزعيم هو بحب شعبه له وليست بقوة دباباته ومدرعاته يا ترى متى يفهم الحكام ماذا تريد شعوبهم ومتى يثق القائد بأبناء وطنه ويسير بينهم دون خوف ويستمع لهم دون حياء ...
محمد المالكي
الأخ العزيز سرمد ونحن نستذكر شباب 25 شباط ألا تعتقد بأن الشهيد هادي المهدي لم ينل حقه من الأستذكار الذي هو أضعف الأيمان ناهيك عدم متابعة منظمات الدفاع المدني وزملاءه من ا لناشطين التحقيق المزعوم في ظروف مقتله من قبل السلطة.ننتظر منك الأهتمام بالجانبين مع
لور
من الطريف فعلا ان تدعون المهنية وانتم لا تنشرون الا اراء من يصفق ويطبل لكُتابكم وترتعبون من اي رأي مخالف لتوجهاتكم مما يدل على فقر الرصيد الذي تمتلكوه في الشارع. هذه هي مشكلتنا في العراق، الكوالتي السيئة سواء في السياسة او الاعلام والصحافة والثقافة. لل
نصير عزيز مهدي
عزيزي الطائي ..نعم للتظاهر وللمطالبات المتكرره ولاعتصامات الموسمية والفصلية ؟ اقول نعم .. لكل صاحب راي وهتاف وقصيدة .. المسالة يااخوة ليست مسالة حكومة وقانون ومحكوم يطبق القانون ..هذا لم يعد مبرر للنفاق وقول الحقيقة المجتزاة . ان اللذين في السلطة يقولوها
حيدر العراقي ـ بغداد
منقول عن التواصل الاجتماعي Nassire Ghadire No aima أخي سرمد الطائي، محبتي الأخوية أولاً وأخيراً؛ يبدو لي اليوم أن قلمك قد أخذته نزوة لذة الكتابة، فجررت شباب باطل كما يحلو لك أن تسميهم، أو شباب شباط كما نسميهم ويسمون أنفسهم، لما لم يريد
saef
نحن نبحث عن الحلول للخروج من الازمة الحالية للعراق... وأعتقد بأن المالكي و أتباعه اثبتوا فشلهم كبقية السياسيين العراقيين! لذا أقتضى التغيير.