TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > رياحٌ صفراء

رياحٌ صفراء

نشر في: 16 أكتوبر, 2012: 08:43 م

بقي موقف الجيش المصري خلال ثورة 25 يناير، يثير شكوكي، فلم أقتنع أن ينزل جيش عربي إلى الشارع، فقط لتأدية مهمتين بريئتين، الأولى حماية شعبه الثائر من بطش النظام، والثانية حماية مؤسسات الدولة من تهور هذا الشعب، راقبت جنود هذا الجيش من على الشاشات، ولم أفهم هدوءهم وهم يراقبون هيجاناً جماهيرياً وحكومياً قل نظيره. حقيقة لم أفهم هذا الحدث، فقد تعودت على الجيوش العربية الباسلة، وفي مقدمتها الجيش العراقي الذي تحول، في عهد صدام وما بعده، إلى خاتم سحري في اصبع حاكم يلعب به في أوقات فراغه ويستدعي مارده متى أراد ليحيل أرض بلاده إلى خرائب نائمة على قبور جماعية.
اعتقدت أول وهلة أن الموضوع كله مدبر، بهدف توفير ممر آمن للدكتاتور يعود من خلاله إلى كرسي الرئاسة ولو بوجه آخر، لكن تتابع الأحداث اثبت خطأي واوصل الجيش انضباطه وأعاد الأمانة للشعب منسحباً لثكناته، فقلت في سري، هذه مؤسسة تحترم نفسها، لم نعرف لها في العراق مثيلاً.
ثم حدث موقف مؤسسة القضاء المصرية، على هامش محاولات الرئيس مرسي اقصاء النائب العام، فقد وقفت هذه المؤسسة بقوة وأفشلت سعي الإخوان لتفريغ استقلال القضاء من محتواه كما يحدث عندنا في العراق.
والسؤال الذي لم استطع الجواب عليه حتى الآن هو: كيف بقي الجيش وبقي القضاء بهذه القوة وبهذا الاستقلال خلال وبعد عهد مبارك؟ هل لأن مؤسسات الدولة في مصر أكثر استقلالا ورصانة من جميع محاولات المستبد الهيمنة عليهما، أم لأن الهيمنة على تلك المؤسسات لم يكن وارداً في مخططات الدكتاتور المصري؟
قد يقول قائل بأن الأمر ليس بهذه المثالية فالجيش المصري لم يكن بريئاً لهذه الدرجة، كما أن القضاء المصري اشترك مع مبارك بالكثير من جرائمه، لكن وحتى مع ورود هذا الاحتمال يبقى أمر هاتين المؤسستين لافتاً بالنسبة لنا في العراق، ذلك أنهما نجحتا بالإبقاء على مسافةِ كرامةٍ بينهما وبين السقوط التام في خندق الحكومة. أقصد؛ حتى لو كان قادة الجيش والقضاة لصوصاً، فهم على الأقل لصوص محترمين، فلماذا حتى اللصوص عندنا أرخص من بقية الصوص؟
لماذا تستمر هزيمة مؤسساتنا أمام هيمنة الأحزاب ومن ثم الحكومة على كل شيء؟
يفترض أن تكون لدينا مؤسسة إعلام دولة، لا مكتب إعلانات حزبية وحكومية، ويفترض أن تكون لدينا مؤسسات رقابية عادلة ومحايدة، لا مؤسسات ابتزاز، ويفترض أن تكون لدينا سلطة تشريعية، لا بورصة تبادل منافع وحلبة صراع ومزايدات طائفية وأثنية، ويفترض أن تكون لدينا سلطة قضائية عادلة، لا مؤسسة لتصفية حسابات الحكومة مع خصومها السياسيين.
ما يدعوني للمقارنة بين استقلال السلطات في مصر وبين استقلالها في العراق هو خبر إصدار مذكرة اعتقال بحق سنان الشبيبي، وسواء أكان الخبر صحيحاً أم لا، وسواء أكان السيد محافظ البنك المركزي متهماً أم لا، فإن صدور المذكرة بهذا الشكل وهذا الوقت ينتقص من هيبة واستقلال المؤسسات المعنية بالموضوع، إذ ليس من المعقول أن تهب رياح هذه المؤسسات بنفس اتجاه وسرعة رياح الحكومة بشكل دائم ومستمر، ليس من المعقول أن جميع ملفات الفساد انتهت ولم تبق إلا تلك المتعلقة بالهيئات المستقلة فتتحرك تلك المتعلقة بالرئيسين السابقين لمفوضية الانتخابات، وهيئة النزاهة، وبمحافظ البنك المركزي؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

جامعة بغداد، منارة العلم والمعرفة في قلب العراق

العمود الثامن: من أين لك هذا ؟

العمود الثامن: غابات السامرائي

إرباك هائل بسبب دراسة خاطئة

هل سيحول إيلون ماسك الحكومة الأمريكية الى شركة..؟

العمود الثامن: عندما يغط البرلمان بالنوم !!

 علي حسين انتهت معركة قوانين السلة التي ادى دور البطولة فيها السيد محمود المشهداني ، ليفتح الستار عن معركة جديدة عنوانها المساءلة والعدالة وقانون الحشد .. وبين هذه المعارك وتلك قرر البرلمان أن...
علي حسين

قناطر: من سقيفة بني ساعدة الى الساحل السوريّ

طالب عبد العزيز ما حدث في الساحل السوري من جرائم وحشية ضد أبناء الطائفة العلوية لا يستفزُّ الضمير العربي الإسلامي، الذي نعرفه في كتب الفقه!! فهو قتل طائفي، بتصريح فاعليه، وما هو بجديد في...
طالب عبد العزيز

مستقبل المساعدات العالمية: أميركا تتراجع والصين في الصدارة؟

شون يوان ترجمة: عدوية الهلالي لقد أثار التفكيك المفاجئ للمساعدات الخارجية الأميركية مخاوف عالمية بشأن من سيملأ هذا الفراغ، فمع انسحاب الوكالة الرئيسية للمساعدات الخارجية للحكومة الأميركية من التزاماتها طويلة الأمد، يتساءل كثيرون في...
شون يوان

العقل الديني الوضعي وتحدي الذكاء الاصطناعي التوليدي

نبيل عبد الفتاح نظرة طائر على الحياة الرقمية على وسائل التواصل الاجتماعي العربية تستطيع أن تلتقط ظواهر دينية متناقضة، بين الجموع الرقمية الغفيرة. أولها: تحويل وسائل التواصل الاجتماعي إلى فضاءات للسجالات الدينية حول السرديات...
نبيل عبدالفتاح
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram