ما الذي يغري السياسي – في دول العالم قاطبة – بالتشبث بقوائم ومساند كرسي السلطة، حتى الرمق الأخير، برغم المتاعب والمصاعب وليالي الأرق، وسورات القلق، وتيارات الفزع من الآتي، المبهم والمجهول، باغتيال، أو بعزل، أو إقالة مهينة؟
هل هي الرغبة في ثروة على عجالة، أم مكاسب قد لا توفرها أية تجارة رابحة أو صفقة مضمونة الأرباح؟
هل هو الجاه! أن ينحني لك ذوو الهامات العاليات ويحسب حسابك الأكابر؟ هل هو الطمع بمراسيم الطاعة والاحترام من الحاشية والمتلطعين؟ هل هي الرغبة في الإستحواذ والملك والتحكم بالمقادير، أم هي الرغبة الطاغية في إعلاء شأن البلاد والعباد،، التي تغدو ـ استقراء ـ في آخر سلم اهتمامات السياسي ريثما يستقر به المقام ويستتب بيده صولجان الحكم؟ ويأنس لمغريات السلطة وسحر التسلط؟
يروى عن الخليفة هرون الرشيد الذي سأله أحد ندمائه: ما هي السلطة، وإجابته: أن تأمر فينفذ أمرك في الحال! لا شك إنه جواب متسرع مثلوم، لا يحيط بجوانب السؤال الفلسفي العويص.
ويروى أن الطاغية نيرون روما،، كان قبل تسلمه العرش، وديعاً، رقيق القلب، أنيس المعشر، يعزف الموسيقى، ويقرأ كتب الفلسفة، لكنه تنمّر واستأسد، ساعة تسلمه مقاليد الحكم (وحكايات نيرون معروفة)
ما أن يعتلي المرء – رجلاً أو امرأة –المنبر حتى تستحوذ على لبّه أفانين اللعبة السحرية.. لا تعود تشبعه موائد الطيبات، بالمعسل والمتبل، وهو الذي كان يتخمه رغيف خبز ورأس بصل، ولا يعود يحتويه ويعصمه قصر محصن منيف، وكانت دارته المتصدعة السقف والجدران ملاذه الآمن من الزوابع وعصف الريح..........معظم من حكم وثمل من خمر السلطة، وعب من مغانمها، غص بها فيما بعد، وهو يتجرع مرارتها حسوة حسوة عند بوابة المغادرة ـ والشواهد أكثر من أن تعد ـ ماركوس، شاشيسكو، السادات، مبارك، القذافي، صدام حسين، أنديرا غاندي وإبنها راجيف، رفيق الحريري، رياض الصلح، بنازير بوتو، ماركريت تاتشر، وليس بعيدا ما جرى لأهل الحكم في العراق.
بهرج السلطة ومفاتنها ومغانيها، وإغواءاتها ومغانمها، يزغلل النظر، ويرمد العين، ويضبب ـ وقد يغيب ـ الذاكرة، ويسحر الجالس على الكرسي، فلا يعود يرى إلا ما يرغب، ولا يصغي ـ أو يستمع إلا لما يريد،، ولا يقتنع إلا بما يفعل أو يشاء.
ألا ليت المتشبثين بمساند الكراسي، بأيديهم وأسنانهم، يدركون ـ قبل فوات الأوان ـ أن لطعة الحنظل التي يتذوقونها ساعة الهزيمة، إقالة، أو نبذاً، أو طرداً، أو ملاحقة، أو.. أو... تعادل ألف ليلة من التمرغ في حرير السلطة او الغرف والعب ـ بتشديد الباء ـ من خوابي عسل الحكم.
مذاق العسل، حنظل
[post-views]
نشر في: 27 فبراير, 2013: 08:00 م