في حي سكني يقع بالقرب من ضاحية الرضوانية بجانب الكرخ من العاصمة مخصص لما يعرف بالحواسم، وهو واحد من العشوائيات المنتشرة في معظم المناطق ، تولى مهاوي الرجل السبعيني العديد من المهمات الاجتماعية للحفاظ على السلم الأهلي داخل الحي بتدخله المباشر في حل النزاعات ، وعرف عنه أنه يمتلك أساليب سحرية لحل أية "طلابة" مهما كان حجمها ،حتى وإن كانت من العيار الثقيل ، ولدوره الفاعل في تسوية الخلافات استحق احترام وتقدير الجميع ، ولاسيما أنه جعل من ساحة قريبة من منزله العشوائي الواقع في ركن من ذلك الحي "ديوانية" "لاستقبال الضيوف لاحتساء الشاي والقهوة ، والحديث عن مستقبل وجودهم في الحي ، لأن دائرة البلدية طالما وجهت لهم أكثر من إنذار لترك منازلهم بوصفهم متجاوزين على ممتلكات عامة .
الاجتماعات اليومية لبحث التهديد الرسمي بترك المنازل لم يسفر عن نتائج إيجابية ، ومهاوي الذي اعتاد القسم دائما بعقاله مرددا عبارته الشهيرة " و"عكال مهاوي ما اخلي واحد يشيلكم " أثار الشكوك في إمكانية رفض قرارات وإجراءات البلدية ، لأن الآخرين يعيشون هاجس وصول الشفلات في ليلة سودة وتقوم بجرف الحي بكامله مع سكانه ، خصوصا إذا كانت الشفلات معززة بقوة تضم عشرات عناصر المغاوير ومكافحة الإرهاب ، وهذه العقدة أو الهاجس المرعب لم يجد لها مهاوي حلا ولم يعترف أمام الحاضرين بعجزه عن معالجتها ، فيحسم السجال الدائر بتبديد المخاوف بتوزيع الشاي والسجائر ، ويطلق عبارة استعارها من السياسيين لكل حادث حديث .
في إحدى الليالي وفي ساعة متأخرة ، تلقى مهاوي أخبارا من زوجته تفيد بأن" البيت الطرفاني" الذي يضم مجموعة من البنات مع أمهن بدرت منهن تصرفات مريبة ، وبصوت منخفض قالت الزوجة إنها شاهدت البنات يصلن إلى البيت بواسطة سيارة أو أكثر من نوع "الفور ويل" بعد منتصف الليل ، وإنها سمعت قهقهات وضحكات وكلمات " مايلبس عليها ثوب وأريدك تشوف هاي الطركاعة وشلون راح تحلها ".
في صباح اليوم التالي بدا مهاوي قلقا منزعجا على غير عادته ، وأمر ابنه الكبير بدعوة رجال الحي إلى اجتماع عاجل لبحث السبل الكفيلة في الحفاظ على سمعة الحي ، مهما كلف الثمن ، لأن المشكلة من العيار الثقيل، وتتطلب موقفا موحدا ، لمواجهة سكنة "البيت الطرفاني " بعد التأكد من حقيقة التصرفات وسبب وصول سيارات "الفور ويل" إلى الحي .
وصلت الدعوة إلى رجال الحي وعقد اجتماع برئاسة مهاوي ، وبعد استماع الحاضرين لتقرير قدمه الرجل ، اتفقت الآراء على قرار موحد بتكليف امرأة كبيرة بالسن، بالتوجه إلى البيت الطرفاني ، وإخبار من فيه بقرار الاجتماع القاضي بمغادرة الحي خلال ساعة واحدة ، وفي حال الامتناع عن التنفيذ ، سيكون لكل حادث حديث .
سكان البيت الطرفاني نفذوا القرار من دون نقاش وجدال وفي اليوم التالي بعد عقد الاجتماع التاريخي وصلت الشفلات ، ومسؤولون إلى الحي ، فأمروا سكانه بإخلاء منازلهم ، ووسط اعتراض الجميع على هذا الإجراء ، تورى مهاوي عن الأنظار ، لأنه لم يستطع أن يتخذ الموقف المناسب في حدث يستحق الحديث .
خيبة مهاوي
[post-views]
نشر في: 27 فبراير, 2013: 08:00 م