TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > في انتظار رحمة الله

في انتظار رحمة الله

نشر في: 1 مارس, 2013: 08:00 م

تشعرني تصريحات حكومتنا أنها تتصور نفسها مركزاً لرصد الأنواء "السياسة" أو "الأمنية"، على غرار مراكز رصد الأنواء الجوية، لا أكثر. إنها تماما مثل قارئة نشرة الأنواء تخبرنا بدنو عاصفة أو قرب هطول أمطار غزيرة، وما عليها "إلا البلاغ المبين" و"غطوا روسكم يا كرعان". وكيل وزير الداخلية، مثلا، يخبرنا بأن 209 من الإرهابيين المعروفين لديه، بعناوينهم وصورهم ومناصبهم، يشتركون في تظاهرات الغربية. "خوش بشارة! زين شمتاني، ولماذا لم تلق القبض عليهم قبل اندلاع التظاهرات بدلا من الأبرياء الذين كانت تغص بهم سجونك باعتراف لجنة الشهرستاني؟ ألم اقل لكم إنها مجرد نشرة أنواء ووكيل الداخلية، كثر الله خيره، مذيع لا يتحمل أية مسؤولية. هل واجب الحكومة بجميع قواتها الأمنية والعسكرية، التي تأكل خبزتها من مال الشعب، أن تكتفي بقراءة نشرة تنذرنا بوجود كارثة ولا تفعل شيئا؟

اعترف أن أغلب توقعات نشرات الحكومة صحيحة. فقبل أيام خرج علينا رئيس الوزراء بتوقع يفوق في دقته أفضل المراصد المتخصصة حين قال "إذا خرجت المعارضة (السورية) منتصرة ستكون هناك حرب أهلية في لبنان وانقسامات في الأردن وحرب أهلية في العراق". والله صحيح. الرجل دقيق جدا وانا معه في كل كلمة قالها. لكنّ الذي لم يتطرق له هو دوره كرئيس للحكومة العراقية في منع الكارثة.

إن سقوط النظام السوري احتمال قائم، شاء المالكي أم أبى. انه، مثلنا، لا يمتلك القدرة على إطفاء نار الحرب عند الجيران. هو، ونحن،  كقارئة الأنواء الجوية، قد نتنبأ بأن المطر القادم سيسقط على رؤوسنا، لكن الفرق بين "الحكومة"، من جانب، وبيننا، نحن و"هيئة الارصاد الجوية"، من جانب آخر، هو أن شغلها الأساس بناء سقف يحمي المنزل. فما هي التدابير التي اتخذها المالكي وحكومته لدرء الحرب الأهلية التي يبشرنا بها إذا ما سقط بشار غداً؟

قارنوا حجم الكويت بحجم الدول التي تحيطها عدداً وعدة ومساحة: السعودية والعراق وإيران. هل أوكلت أمرها للأقدار والصدف لتحميها من جيرانها، أم أنها هيأت نفسها وعرفت كيف تحمي شعبها من خلال علاقات دولية وثيقة؟ لقد أعانت هذه الدولة الصغيرة عقول حكامها الكبيرة على أن تحمي نفسها من أمطار الجيران "العملاقة". وعندما هب عليها تسونامي صدام هبت أعتى قوى العالم لإنقاذها.

أعني، ببساطة، إني أرى المالكي مثل الذي ترك بيتنا العراقي بلا سقف ويحذّرنا أنها إذا أمطرت غداً فستغرقون. زين وشنو شغله؟ سنوات طوال وهو يحكم. أما كان من الواجب عليه، لتحليل خبزته على الأقل، أن يحتوي الاحتقان الطائفي من قبل أن يتصاعد ويصل اليوم إلى حد صرنا فيه على شفا حفرة من الدم؟

ليلتفت دولة الرئيس، ولو مرة واحدة حوله، وينظر كم من الأموال كلف البلد منصبه من بنايات وايفادات وركوب طيارات وسيّارات ورواتب مستشارين ومستشارات وطبخ ونفخ، و "لهدات" دولارات نثريات له وللوزراء والوزارات؟  لِمَ لمْ يبنِ جيشاً مهنياً ولا جهاز استخبارات كفء وتركنا عزّل لا ننتظر غير رحمة الله؟

تذكرت صديقي الشاعر بشير العبودي يوم كثرت الطلايب بينه وبين صديقنا المرحوم الشاعر عباس الحميدي. ضاقت الحيلة ببشير يوما فلم يجد غير أن يرمي محفظة أوراقه ويجلس على الرصيف رافعاً يده نحو السماء مستنجداً: ربي ما ظل غيرك يخلصني من عباس. وها نحن ليس لنا أمام هذه الحكومة، التي يخوّفنا رئيسها من الحرب الأهلية وهي، مثل بشير، واضعة يدها على خدها لا تحل ولا تربط، غير أن نصيح: رحماك يا رب!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram