كنت قد لمست في تظاهرات ميدان التحرير بالقاهرة أنها وفرت فرصاً جديدة للرزق، استفادت منها الطبقات العاطلة عن العمل، حيث انتعشت ظاهرة بيع الأعلام واليافطات ومسطبات بيع الشاي والفول. لكني ما كنت أحسب أن تلك الظاهرة ستجد مثيلة لها في تظاهرات الغربية بالعراق حتى قرأت، قبل أيام، تقريراً صحفياً يشير إلى أن ساحة الاعتصام وفرت العديد من الوظائف الجديدة لتشغيل عشرات الشبان تدرّ عليهم مداخيل لا بأس بها. وان كان انتشار شباب يبيعون السجائر والعصائر والمياه والأعلام واليشاميغ والغتر وبطاقات شحن الجوال يشبه إلى حد بعيد ما لمسته في تظاهرات المصريين، لكن ما لفت انتباهي في التظاهرات العراقية هو أنها وفرت فرصة رزق جديدة للشعراء الشعبيين. هذه لم اسمع بمثلها في أي من تظاهرات الربيع العربي. لا في مصر ولا في أي بلد عربي آخر!
لقد قصد الشعراء من محافظات مختلفة ساحة التظاهرات وتوزعوا على مضايف ودواوين العشائر لأنها بحسب احد الشعراء " تخصص شاعراً لاستقبال الضيوف تكون له قدرة على الارتجال". ينقل كاتب التقرير انه شاهد بعينه أحدهم يركض من خيمة وسط الساحة لاستقبال وفد من عشيرة شمر، قدم من مدينة السماوة، بإلقاء قصيدة ارتجالية عن مكارم القبيلة وشجاعتها على مر التاريخ، فقام رئيس وأعضاء الوفد بإلقاء المال له تكريماً لشعره.
شاعر آخر يقول أن "الشعر من عادة أهل الغربية"، وان "التظاهرات أنعشت الموضوع الذي يمكن أن تسميه مهنة وهو واجب ضيافة واستقبال وفي نفس الوقت عامل تكسب لنا بعد أن دق الفقر فينا نحن معشر الشعراء والأدباء خلال السنوات الماضية ".
وبرغم "نشنشة" الشعراء الشعبيين مادياً، إلاّ أن فيهم من يشكو حظه حين يجهد نفسه ويركض بقصيدة يظنها مجلبة للرزق لكنه يعود خائباً. يقول الشاعر رياض العباسي انه " "قبل أيام وصل عدد من العراقيين من الموصل إلى ساحة الاعتصام وكنت مطالباً باستقبالهم. لكن في آخر لحظة علمت أنهم من المسيحيين، فتسمرت وأصابتني الحيرة في الشعر الذي سألقيه أمامهم. ما كان أمامي إلا أن أقرأ أبياتا تدين وتستنكر حادثة كنيسة سيدة النجاة. ارتاح الوفد للاستقبال لكنهم لم يكرموا شعري بأي مال"!
لست بصدد لوم هؤلاء الشعراء فلعل الفقر المرّ جعلهم في كل وادٍ يهيمون. لكني لا أخفيكم ألمي لأنهم ذكّروني بفترة مظلمة ومحزنة، أيضا، يوم نجح صدام في تحويل الشعر الشعبي، في مهرجانات التطبيل له ولحروبه، إلى باب للارتزاق.
خوفي أن لا يكون هناك شعراء لتظاهرات الغربية، وآخرون للتظاهرات المضادة، فتنشأ لدينا "فدراليات" للشعر الشعبي، وتعود حليمة لعادتها القديمة. وفال الله ولا فالي.
التظاهرات والشعراء الشعبيون
[post-views]
نشر في: 2 مارس, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 1
نوار الحسيني
روعة انت استاذ هاشم