لا يعرف حتى هذه اللحظة كم عدد ضحايا عبارة النادي اللبناني، رجال ونساء ابتلعهم بحر الإهمال الممتد من شواطئ دجلة، الى معظم نواحي الحياة في بلاد استكثر مسؤولوها ان يصدروا ولو بيان تعزية لأهالي الضحايا.. فقد توارت الحكومة ومسؤولوها خلف ستار من الشماتة في ضحايا ذنبهم الوحيد انهم أرادوا ان يحتفلوا بالحياة، فاذا بالموت الذي يترصد العراقيين في الشوارع والساحات يلاحقهم حتى شواطئ دجلة، لم يخرج علينا مسؤول ببيان عن هذه المأساة، والأخطر من ذلك ان الناس لم تهتم للأمر، على أساس أن الجميع مشغولون بالمنازلة الكبرى التي يخوضها السيد المالكي لتخليص البلاد من الأشرار، ولأننا جميعا غارقون في بحر من اللامبالاة، لم نعد نتوقف امام غرق عبارة صغيرة فوقها عدد من الأشخاص، فنحن نعيش فوق عبّارة مهددة بالغرق في أي لحظة.
في بلاد سياسيي الصدفة، لا احد يريد أن يطمئن ركاب عبارة الوطن على حياتهم ومستقبل أبنائهم.. فعبارة البلاد تمضي في بحر متلاطم متصارع الأمواج ، لا شاطئ امان ولا ضوء من بعيد تهتدي إليه، فيما حيتان الفساد والطائفية يتربصون بالجميع.
سيقول البعض: محظوظون ضحايا عبارة النادي اللبناني، فقد عرفوا مصيرهم وارتاحوا، بينما ضحايا عبارة الوطن لا يعرفون لرحلتهم الإجبارية مع المالكي وخطبه نهاية بعد أن قرر ان "لا ينطيها".
ولأننا جميعا نعيش رهائن بحر سياسي من الصلف والانتهازية، فهل هناك أكثر عبثية من ان يخرج علينا رئيس الوزراء يحذر من سقوط نظام بشار الأسد، فيما يغيب منطق النظر الى احوال البلاد التي لا نعرف متى ستقفز الى المجهول، وهل هناك عبثية أكثر من أن يصبح بشار الاسد، الذي كان حتى اعوام مضت يوقد نار الفتنة في العراق، وبلا أي مقدمات صمام أمان للسلم الأهلي العراقي؟ هل كان احد يتصور ان يصبح العراق رهينا لمزاج نظام دموي في سوريا؟
ماذا سيفعل وكلاء الوطنية العراقية اليوم وهم يرون عبارة الوطن في طريقها الى الغرق، وما هو موقف الذين يصرخون ليل نهار لانقاذ بشار الأسد في الوقت الذي يطالبون العراقيين الى نبذ روابط الدم والتاريخ والمواطنة؟
سيقول البعض إننا نعيش مع ساستنا عصر الكوميديا "المبتذلة" بامتياز، فعلى منصة العبارة، نستمع كل يوم الى تصريحات أقرب للهلوسة، وخطب وشعارات فقدت صلاحيتها للتأثير أو حتى لاستدراج الضحك.
في هذا المكان نفسه كتبت قبل يومين عن لحظة ظهور الشيخ عبد الملك السعدي، وبالأمس اعاد هذا الشيخ الجليل لحظة الخطاب الهادئ حين دعا المعتصمين الى التخلي عن الشعارات الداعية بإنشاء إقليم سني، وعدم طرح الكلمات والألفاظ التي يساء فهمها وتوحي بالطائفية.. لحظة السعدي الثانية واجهها السيد المالكي أيضاً بالاختباء خلف حوائط المقاطعة، حتى يخال للمتابع لما يجري الى ان المالكي مصر على ألاّ يحاور الا نفسه، من اجل ان يهيئ ركاب العبارة للعبة استبدال ملفات مهمة مثل الامن والتنمية والتعليم والبطالة والسكن بملف واحد هو من الاحق بكرسي الحكم، ففي كل يوم يصحو سكان العبارة على سؤال جديد، هل الحديث اليومي عن المساءلة والعدالة يمكن ان يعوضهم سنوات من التخبط والارتجالية والمحسوبية والانتهازية التي مارسها العديد من السياسيين؟، فبدلا من ان يكون سعي الساسة وعلى رأسهم المالكي الى ان يكون العراق تاريخا من الاستقرار ، تحول على ايديهم الى سلسلة طويلة من التجارب الفاشلة في الحكم، مرة في الحديث عن اخطاء حكومة الشراكة ومرة في الاعلاء من شأن المحاصصة الطائفية ومرات عدة في السعي الى اقصاء الاخرين بكل الوسائل.
تجارب في الفشل السياسي، لم تتوقف منذ عشر سنوات، ليجد الناس انفسهم كل يوم في مواجهة خطاب سياسي متلون، ورئيس وزراء لا يزال يرفض ان يحاور الا نفسه، مرة ضد الانبار ومرة علاقة خاصة مع شيوخها، مرة سمن وعسل مع مطلك ومرة حرب بلا هوادة مع العيساوي.
يحاول المالكي ان يهرب بالعبارة الى الامام، يتجاهل الاحتجاجات والاعتصامات ، محاولا ان يوهمنا جميعا بأن معركة العراق الحقيقية ليست، مع الطائفية والانتهازية والمحسوبية وسراق المال العام، وانما مع الاصرار على بقاء بشار الاسد رئيسا مدى الحياة.
جميع التعليقات 6
كاطع جواد
شيء واحد فاتك يا استاذ ان السيد رئيس الوزراء يعي ما يقول فالشخص الذي وصل الى كرسي الرئاسة وتخطى كل الموانع والعقبات التي واجهها واستطاع ان يجد لنفسه مكانا لم يكن يحلم به يوما مثل هذا الرجل يعلم ان نهاية حكم طغمة ال الاسد الدموية هي بداية النهاية لكل التظل
عراقي وبس
الى من يسمي نفسه المختار لا تعميك الطائفية المقيتة وشوف بعينك زين البلد وين ديتجه, حافظو على وحدة العراق ونصيحة اعرف اكتب كلمة لكن ثم اكتب تعليقاتك
عقيل الطائي
اخي الكاتب الجليل سلمت اناملك على هذا البروشور الرائع في حق هؤلاء الضحايا وباركك الله في تعزية ذويهم وفضح رجال الدولة المحترمون الذين يشاركوننا في همومنا دائما
اياد الجصاني
سيدى الكاتب ومرة اخرى انك كاتب مقالات وتعليقات قيمة وقد تصيب وتخطأ ويجب ان تعرف قبل ان توجه النقد في موضوع ما ان تكون قد عرفت الكثير عن اطراف و فيما وراء الموضوع او للعبة . سيدي انها الجيوبولتيك وليس حب الاسد . ادرس سياسة وتاريخ قبل الحديث والتصفيط المطول
المختار
الأخ عراقي أوبس ،، هل من المممكن ان توضح لي اين الطائفية في حديثي ؟؟ أنا أتكلم عن موقف سياسي . المالكي ضد إعطاء البرزاني كركوك ماهيه الطائفية في حديثي؟!!انا متأكد بانك لن تجيب عل السؤال وسترد باتهامات ! أما قولك لننظر إلى اين يتجه العراق ،فابشرك با
المختار
الأخ عراقي أوبس ، كيف قرات تعليقي إذا أنا شخصيا لم أره بعد؟!! لنفرض أني لا استطيع كتابة لكن ،هل هذا يعني بانه ليس لي الحق بالتعبير عن رأيي؟؟!! أيهما أسوء ،ان يرتكب الإنسان بعض الأخطاء الإملائية أم ان يبيع شرف كلمته من اجل حفنة دولارات ؟؟!!