دولة القانون الذي يتحكم بالسلطة التنفيذية وملحقاتها الأمنية والعسكرية وأخواتها، كان وما زال لا يمتلك، في مواجهة خصومه، غير عصا "إس لا أطلعه" (صه وإلاّ سنعلن ملفات فسادك أيها المعترض).
الفساد، في المقام الأول، هو نهب للمال العام. والمال العام يخص العراق وشعبه. والذي يمنح نفسه الحق في إخفاء معلومات عن سرقته يكون واحداً من اثنين: إما مشترك بالجريمة (مجرم)، أو أن المال مال أبوه. والثانية تعني أنه خوّل نفسه ليصبح هو العراق، كما فعل صدام، ليعفو عمن يشاء ويعاقب من يشاء. وهكذا يفعل المالكي اليوم وبامتياز.
من يتصور أني اتهم المالكي من دون دليل فهو واهم، لأن التهمة أتت من أتباعه وبصريح العبارة، من دون لبس أو لف أو دوران. فلقد كشف المفتش العام لوزارة الصحة عادل محسن، السبت الفائت، أن "المطالبين بمحاسبته لديهم مصالحهم وأجنداتهم الخاصة، وأنه "سيكشف قضايا فساد تخصهم". الى هنا جيد. لكن لماذا، يا حضرة المفتش العام، لا تكشف تلك القضايا وتخصمها؟ يجيب بكل وضوح: "سوف أكشفها بعد أن يأذن لي المالكي". ثم يؤكد أن "المالكي لم يعطني الأذن لحد الآن"!!
ليته أو دولة القانون أو الذين يدافعون عن رئيس الحكومة يعطوننا مبدءاً دستورياً أو قانونياً أو دينياً أو أخلاقيا واحداً يبيح للمالكي منع هذا المفتش من كشف المفسدين. لا أظنهم سيجدون غير شيء واحد وهو أن "المالكي" صار "المالك" لأموال العراق العامة. لذا لا يمتلك غيره حق التصريح بما يخصه. وقد يكون هذا هو السبب الذي دفعهم الى منحه لقب "دولة" الذي لا اشك في انه سيتحول الى لقب "أمة" بعد حين.
انتظار صاحبنا حتى يأذن له المالكي، ذكرني بطرفة رواها لنا معلم معمم من آل البعّاج في أيام الدراسة الابتدائية تقول أن شيخا أمَّ جماعة في إحدى صلوات الجمعة وصار يقرأ فيهم "فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين". صار الشيخ يكرر الآية والمصلون من بعده وقوف. وبينما هو منغمس بالقراءة قطع أحد القرويين صمت المصلين صائحا: كلي بروح أبوك شيخنا، وإذا والدك ما راح يكلك روح ، شلون بالله نظل على هالوكفة لشوكت؟
ورحم الله شاعرنا الكبير جودت التميمي يوم قال:
لشوكت نبقه إنتحمى إعله الثلج ..
واحنه من چانت محبتنه جهنم ما دفينا؟