ما الذي يجعل من فلان الفلاني متهورا، جشعا، عدوانيا، مجرما؟ ويصوغ فلان الفلاني عالما، باحثا، متزنا، مسالما،
من؟؟
الجينات والصفات الموروثة من الوالدين والعائلة لحد سابع جد؟ البيئة الاجتماعية والضوابط الصارمة في البيت والأسرة والمدرسة وأماكن العمل ورهط الصحابة؟ البيئة الطبيعية، والانصياع لعوامل المناخ وتقلبات الطقس والسكنى قرب سهوب الجبال، أو الصحارى؟ أو العيش قرب الشواطئ و منابع الأنهار،
أسئلة عويصة كانت دائما مدار بحوت واستنتاجات لبلورة جواب حاسم.
أخجل من عرييّ المعرفي، إذ أقارن بيني - أنا الجاهلة بعلوم الكومبيوتر وأسرار الهاتف الجوال، الذي أستعملهما كل يوم وكل ساعة -- وبين سيدة غربية على الغالب، متمرسة، تتعامل مع الأجهزة الالكترونية كما تتعامل مع كائن حي، فسلجته، ووظائف غدده الصماء. وتستبطن أسراره إثر كل استعمال.
أتحسر..
ما الذي ارتقى بها لأعلى سلالم المعرفة وهبط بي- وبأمثالي - نحو أدنى الدرجات؟
تيسير سبل الإطلاع، وسد ذرائع الجهل وتعمد التجهيل.؟؟ أهذا جواب ناجع؟
أخجل من تعاظم عدد الجهلة من أبناء قومي والناطقين بلغتي، (من الشام لبغدان، ومن حلب إلى مصر إلى طنجة فتطوان!!!) أخجل من افتقارنا لمؤسسات بحث بعلماء متفرغين وأجهزة متطورة، أخجل من جوامع فخمة وحسينيات مزججة الشبابك، تغص بالزوار، بينما التسرب من المدارس الآيلة للسقوط يبلغ -في العراق -- حده الأعلى بين الدول المتأخرة.
أنا ما عليّ من جيش العاطلين في بعض دول الغرب. ما علي من تقليص الميزانيات والمنح للمدارس والمستشفيات، ما علي بآلاف النوادي والحانات ومقاصف الشرب التي تغص بروادها السكارى حتى مطلع الفجر.. ما علي بتغيير الوزراء ومناكفاتهم وتناطحهم تناطح الأكباش.. علي بديمومة كيان اسمه الدولة
ورعايتها لكيانات تسمى مراكز البحوث العلمية، ورصد ميزانياتها الضخمة التي لا تمس بتقليص أو تقنين.
أصغي لمراسل قناة علمية في واحد من المراكز، يقول: يبهرني هذا الجهاز المتطور لتصوير الدماغ. لا، لا، ليس فص الدماغ المنظور هو ما أقصد،،إنما تسجيل الخلجات التي تعتريه أثناء الخوف، أو الانشراح، الغضب أو الرضا،الكراهية أو هنيهات الحب، العداوات أو المحبة... جهاز عجيب يحتاج طاقة كهربائية تكفي لتشغيل غواصة نووية.. خلايا تستجيب لذبذبات نابض ذي رنين مغناطيسي، يرسم، يصور، يسجل ماهية الاختلاجات التي تعتري الدماغ، وتفعل معجزاتها الكيماوية فيه. و...و..
المفارقة الموجعة، التي اختتم بها البرنامج، ذكر ما رصد للمشروع المذهل الذي سيغير مسلمات علمية سادت لردح من الزمن... ميزانية المشروع الرائد هو أربعمئة مليون دولار لمدى سنوات خمس!! فقط لاغير.
أربعمئة مليون دولار لتغطية تكاليف خمس سنوات من البحث الدؤوب لكادر علمي متقدم،، وهو مبلغ يكفي – بالكاد يكفي – لسداد نفقات حماية مسؤول عراقي لسنة أو بعض سنة!