هل من حق المجلس الاعلى ان يضع شعار "محافظتي أولاً" على ملصقات الدعاية لمرشحيه؟ الامر اغضب بعض المراقبين كما يبدو، لكن تعالوا اولا نحاول فهم غضب من لون آخر.
فهذه الجمعة لم اتابع "سباق التلاعن" على فيسبوك الذي يندلع كل جمعة حين يبدأ الرجال بتسلق منصة المظاهرات وإلقاء الخطب، بينما يأخذ بعض المعلقين من الجانبين، بالتفنن في الانقسام واختيار اكثر الالفاظ اثارة للطائفية، وبسبب ظروف السفر لم اشاهد اي ملمح لنوع التصريحات في الجمعة الفائتة. غير اني عرفت ان الشعارات والكلمات جاءت معتدلة نسبيا هذا الاسبوع، من لسان حليف مقرب للمالكي.
يقول في تصريح نقله الزملاء في "المدى برس" انه وكتلة دولة القانون "لن ينخدعوا" بالشعارات المعتدلة التي طرحها المتظاهرون في ساحات اعتصامهم، وان المتظاهرين "يخفون نواياهم الحقيقية".
لا يهم كتلة المالكي ان يرتفع صوت العقل ولا يجعلهم هذا يفرحون. انهم يريدون ويتمنون ان تظهر الاحتجاجات على شكل استعراض مسلح كي يتاح للسلطان ان يبيد بالدبابات اول اعتراض طويل على نهجه في السلطة.
كل الاطراف الحكيمة حاولت ان تساعد متظاهري الغربية على تنضيج شعاراتهم وهذا ما فعله الاكراد والصدر والمجلس الاعلى والتيارات المدنية، لكن فريق المالكي ظل يحاول اثارة غضب المتظاهرين وجرهم الى منازلة عنفية، بألف شتيمة وتهديد.
لا يريد فريق المالكي ان يفهم ان في المظاهرات اكثر من مستوى واكثر من لون، وان صوت التطرف لا يمثل كل القصة. لا يريد فريق المالكي ان يبحث حلا لازمة بمستوى الوطن، لانه يعلم ان اول خطوات الحل هو ان يتنحى السلطان الذي اصبح طرفا غير موثوق وغير صالح لابرام تسوية مضمونة بعد ان قام بتخريب كل الاتفاقات السالفة.
وهنا تبدأ مهمة مراكز القوى العراقية التي تحتفظ بسمعة طيبة لدى المتظاهرين. عليهم ان يقنعوا شباب الاعتصام بعدم الانجرار نحو ما يتمناه الفريق العسكري للسلطان. ان الحفاظ على وجه معتدل للمطالب والاصرار بحنكة على تغيير المالكي بوصفه مفاوضا مخفقا، هو الطريق لانجاح لقاء زعامات بمستوى وطني يطور المراجعة العميقة التي بدأت الصيف الماضي في اربيل والنجف وشجعت اهل الانبار ونينوى على خوض اطول الاعتصامات في تاريخ البلاد. نريد اعتدالا مماثلا في الجمعة المقبلة يتسع مداه ونطاقه.
اما غضب بعض المراقبين على شعار المجلس الاعلى في ملصقات اقتراع شهر نيسان، فمبني على ان عبارة "محافظتي أولاً" يثير نزعة مناطقية. ولا ادري هل المطلوب من اهل المحافظات ان يسلموا كل شيء لبغداد كي يكونوا وطنيين وغير مناطقيين؟ ام ان على اهل السماوة ان يذهبوا لتصليح وضع الحلة كي يثبتوا أنهم عراقيون؟
يمكننا ان نضع ملاحظات على صوغ العبارة، لكن فكرتها سليمة وهي ان يقدم اهل المحافظات شأنهم على أي شأن اخر فيما خص تنميتهم ومعاشهم وشؤون جمهورهم. لقد حاولت الولايات الجنوبية الأمريكية ان تنفصل قبل ١٥٠ عاما، وخسرت المواجهة العسكرية مع ابراهام لنكولن، الا انها ربحت اهداف الحرب الاساسية. فقد شجعت مطالبهم انضاج ادارات محلية بصلاحيات واسعة كتلك التي يطالب بها الاكراد اليوم. بقيت الولايات الجنوبية جزءا من امريكا ولكن بصلاحيات واسعة لا تجعل البصرة فاشلة في انفاق ٧٠٠ مليون دولار اعادتها الى بغداد بسبب تأخر موافقات المركز.. بينما يعيش افقر اهل العراق قرب منابع البترول هناك ويرتاد ابناؤهم مدارس طينية.
شعار المجلس الاعلى سليم، يمكن ان ينتج لنا مثل السيد علي دواي لازم محافظ العمارة الذي يعتصم امام بيت المالكي لتلبية مطالب محافظته في تقليد ليبرالي سيأخذ بالاتساع ويعزز قناعات لامركزية لدى العراقيين.
لكن المشكلة تبقى في مرشحي الأحزاب. الحزب هل قاس "العمر العقلي" لمرشحيه في المحافظات؟ فقد يتطلب الامر "اختبارات ذكاء" تضعها المفوضية كشرط للترشح في الانتخابات، لاننا حين نتجول على المسؤولين نصادف في كثير من الحالات "ادمغة بطيئة" تقوم بمسؤوليات جسيمة، وتنتهي لنتائج معاكسة لشعار المجلس والدعوة وحتى العراقية. نأمل ان ينجح الناخب بذكائه في التصويت للأكثر ذكاء، لان "لعبة الغباء" يمكن ان تعيدنا الى قاع اللعنات ثانية، وبنجاح ساحق.
اعتدال المتظاهرين و"محافظتي أولاً"
نشر في: 3 مارس, 2013: 08:00 م











جميع التعليقات 5
احمد الفتلاوي
سرمد وعقدة المالكي !!! من الواضح ان السيد سرمد الطائي ينطلق من عقدة اسمها (المالكي) في كل تحليلاته السياسية .. حيث لا يرى في الوجود شئ ينتقده سوى المالكي ولا يجد شئ يمتدحه سوى خصوم المالكي ... سرمد الطائي الحوزي السابق والليبرالي حاليا ... لم يوجه انتقادا
ابو علي
كنت اتصور للوهلة الاولى انك كاتب موضوعي فلم أجدك الا ناظرا للأمور بعين عوراء كما هم متظاهروا الرمادي
كاطع جواد
لا اعتقد ان موضوعة الحكم بحاجة الى ذكاء لا بل ربما يكون الذكاء وبالا في الكثير من الاحيان خاصة اذا وظفه المنتخب (بفتح الخاء) لصالح شيطانه من اعمال النصب والاحتيال والتدليس في بعض الاحيان ليجني اكبر العائدات من منصبه الجديد وهو يذرف دموع التماسيح على مصائب
أسماعيل المعروف
الأستاذ سرمد الطائي المحترم السلام عليكم اعجبني جدا مقالكم عن رفع شعار ( محافظتي أولا ) من قبل مرشحي انتخابات مجالس المحافظات القادمة في شهر نيسان ومن خلال منبركم الاعلامي الرفيع أقترح أن يتم تعديل الشعار الموجود في المصلقات وتكتب عبارة ( محفظتي اول
ابو محمد البصري
الاخ الكاتب المحترم شكرا لهذه الكلمات من شخص يحمل هموم الوطن وليس بوقا للسلطان او غيره اعجبني في بعض ماتكتب انك عندما تنتقد امر ما تاتي بحلول حتى لو لم تكن تلك الحلول تجانب الصواب احيانا ولكن هذا دليل على انك تسعى لعلاج امر تراه غير سليم او صحيح مشكلتنا ف