في المؤتمر الصحفي المنعقد بعد مباحثات الرئيسين الفرنسي والروسي، رأى الرئيس فلاديمير بوتين، أنه من المستحيل التوصل إلى تسوية للأزمة السورية، أو حتّى مجرد رؤيتها، بزجاجة نبيذ جيد فقط، بل إنها تحتاج إلى زجاجة فودكا، رغم أن المعروف بأنه لا يتناول المشروبات الكحولية، ورد الرئيس الفرنسي مازحا مع زجاجة بوردو، وبديهي أن يؤشر ذلك إلى طبيعة تعامل رئيسي دولتين عظميين مع الأزمة السورية، التي تستنزف يومياً المئات من أرواح الأبرياء وتدمر أسس الحياة في البلد العربي المنكوب ، وفي حين أكد هولاند "مع زجاجة البوردو" أن فرنسا تطالب برحيل الأسد، أسوة بدول غربية أخرى، رأى بوتين أن السوريين وحدهم الذين يجب أن يحددوا مصير بلادهم، وربما يجب أن يكون ذلك، مع زجاجة عرق وصحن تبّولة.
موسكو كما هو معروف، وربما مع رشفات من الفودكا، تقدم مساعدة مباشرة، عبر إرسال الأسلحة إلى نظام دمشق، وجمدت حتى الآن مع الصين كل مشاريع القرارات، التي عرضت على مجلس الأمن، وتطالب بإدانة نظام الأسد، وفرنسا ربما مع زجاجة نبيذ معتق تدعم مناوئي الأسد، وتمدهم بما يساعدهم على إطاحته، وبين موسكو وباريس، يسكر وينتشي المواطن السوري، بدمه المراق في شوارع دمشق وحلب، وكل الحواضر السورية والأرياف والبادية ويطرب على أزيز الرصاص وهدير المدافع وهو يراقب صواريخ السكود تدمر ما تبقى من شواهد حضارية في بلاد الشام، وتقسم مجتمعها إلى طوائف متناحرة.
مع تعدد المؤتمرات الدولية المعنية بمأساة السوريين، لنا أن نتخيل جلسة يجتمع فيها أقطاب العالم من البريطانيين والأميركيين والروس والفرنسيين، حتماً سيكون الجزء الأكبر من الحديث، حول مفعول الويسكي الاسكتلندي مقارنة بالفودكا الروسية، ومنافع النبيذ الفرنسي المخمّر مقارنة مع مضار الكحول المقطّر، وإذا كانت هناك مشاركة ألمانية فإن البيرة ستكون حاضرة وشديدة البرودة، وفي حال حضور وفد سوري فإن الاختلاف سيكون واضحاً بين من يفضلون كأس عرق مع الكبة النيّئة والتبوله، وبين من يفضلون اللبن الشنينه، وهناك من سيطلب أن يكون المشروب الرسمي للمجتمعين عصير التوت الشامي الشديد الحمرة والأقرب إلى لون الدم، ويقيناً أن الأميركيين سيحسمون الأمر في نهاية المطاف حين يعرضون ما طوّروه من مشروبات كحولية سواء كانت مخمّرة أو مقطّرة.
إذا كان زعماء الدول العظمى يستحضرون المشروبات الكحولية، التي تتميز بلادهم بإنتاجها، متفاخرين بقوتها وميزاتها، وهم يتحدثون للصحفيين عن نتائج مباحثاتهم حول الأزمة السورية، فإن علينا توقع المزيد من الدماء النازفة، والمزيد من الدمار، والمزيد من تشظي المجتمع السوري، والمزيد من الشرر الطائفي المتطاير في أرجاء المنطقة، بحثاً عن كومة قش جاف، وما أكثرها، وإذا كانت الخمرة ومفاعيلها هي ما يحدد مواقف القوى العظمى مما يجري في بلاد الشام، فإن على السوريين عدم مد نظرهم إلى خارج جغرافيا وطنهم، وعدم توقع أي مساهمة إيجابية في حل أزمتهم تأتي من خارج الحدود، أو أن عليهم نصب طاولة وصبّ كؤوس العرق وشرب نخب " كاسك يا وطن ".
السوريّون بين الفودكا الروسيّة والنبيذ الفرنسي
[post-views]
نشر في: 4 مارس, 2013: 08:00 م