قرأت، قبل عام تقريباً، مقالاً لكاتب يبدو انه منشق عن حزب الدعوة ينصح فيه المالكي أن لا ينفعل بسرعة وأن يكف عن شتم الآخرين عندما يفقد أعصابه. تلمح من طريقة مخاطبته له أن بينهما سابق صداقة أو معرفة وطيدة. قبل أيام تذكرت ذلك المقال وأنا أقرأ في الأخبار مقتطفات من خطاب المالكي عند وضعه الحجر الأساس لمشروع مدينة ضفاف كربلاء السكني. تقول الأخبار انه وصف الداعين إلى الاعتصامات والتظاهرات بأنهم "جهلاء وصغار الناس" واعتبر أن "كبار الناس" هم الذين يفكرون بالبناء والمشاريع والستراتيجيات! شتيمة صريحة وقاسية أيضا.
قبل الخوض بالشتيمة، أجد أن تقسيم الناس الى مفكرين بالمشاريع وداعين للتظاهر غير موفق إن لم أقل غير منطقي. فان كان يرى نفسه من الكبار لأنه مسك "الچمچة" لوضع خبطة الاسمنت لتغطية حفرة دفن النقود بحجر الأساس، فهذا واجبه وسيقوم به أي رئيس وزراء غيره، أو قد يتولاه وزير أو محافظ المدينة مثلا. أما التظاهر فهو حق. والفرق بين الواجب والحق كبير. لندع هذا ولنرَ كم من الناس وغير الناس شتمهم المالكي وإهانتهم.
في مقدمة "المشتومين" يقف الدستور العراقي الذي أقر في المادة 38 (ثالثا) حق التظاهر وكفله للشعب. فهل الدستور الى هذا الحد صغير بعين المالكي؟
وان كان المالكي يرى أن "الچمچة" التي يرفعها الحاكم لوضع حجر الأساس تجعله كبيرا، فلقد رفعها كثير من الحكام قبله، من هتلر الى شاه إيران وصدام والقذافي وغيرهم وغيرهم. وكل هؤلاء قد لُعنوا لأنهم لم يعترفوا للشعب بحق الاعتراض.
أظن أن شاه إيران كان أكثر من كل الذين ذكرتهم سعيا في مجال البناء والإعمار. لكن الإمام الخميني حث الإيرانيين على الاعتصامات والتظاهرات لإسقاطه. فمن هو الصغير برأي المالكي؟ اخترت الخميني مثالاً لأن المالكي إسلامي العقيدة (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم). ومن المنطلق ذاته أذكره بأبي ذر الغفاري الذي حرض الفقير على أن "يستل سيفه" إن حاصره الجوع. فهل كان الغفاري كبيرا أم صغيرا حسب مقياس دولة الرئيس؟
كان أغلب متظاهري ساحة التحرير ببغداد قبل عامين شباب أتعبتهم مشاهد الفقر والبطالة في بلدهم الغني. خرجوا مسالمين بصدور عارية مطالبين بحقوقهم، ومحتجين على غياب الأمن والخدمات وتهميش الناس والتضييق على حرياتهم الشخصية والعامة. لم يحملوا سلاحا ولم يرفعوا شعارا طائفيا واحدا، لكن السلطة المستبدة واجهتهم بقواتها الأمنية ثم هدّت عليهم جحافل عشائرية مدججة بالعصي والعگل. فمن هو الكبير ومن الصغير: السلطة أم المتظاهر؟
إن وصف الداعين للتظاهر بالصغار أو الجهلاء فيه إهانة أشد وطأة من وصف صدام للذين ثاروا ضد طغيانه بالـ "غوغاء". ولو كان المالكي رئيس حكومة في بلد متقدم لديه برلمان يحترم نفسه، لخيّره بين أمرين: أما أن يعتذر للشعب أو أن يقال من منصبه.
شتيمة المالكي عادت بي الى السبعينات يوم اشتهرت بين الطلبة قصيدة الشاعر وائل الشمري التي كان يقرأها عنه أخوه فرات "زغيرة وما تعرف إتحب". ذكرتها وتذكرت قصيدة مضادة لها على لسان طالبة شعرت بأن وصف "زغيرة" به إهانة كبيرة فقالت "چبيرة آسسنه وزغير انت".
كبـار وصغـار
[post-views]
نشر في: 4 مارس, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 3
خليل النعيمي
اي اخوي انت وردة
رمزي الحيدر
يجب أن نعترف ,أننا نعيش زمن الصغار...!.
shatha
your personality remember me abbas chechaan)almotamalik)