تكمن اهمية السيد أحمد القبانجي بكونه يمثل منطقة وسطى بين افكار النخبة، وبين القاع الغائب عن النخبة من أفراد المجتمع. فهو يعمل على ترجمة، أو إعادة طرح الاشكاليات "النخبوية"، بلسان شعبي يفهمه ويعتني به من يُسَمُّون بـ"عامة الناس". هو ينتقل بالإشكالية الفكرية من كونها إشكالية نخبة معزولة، الى كونها إشكالية ناس بسطاء، من عمال وفلاحين وكَسَبَة. ومن هنا يحق لحراس الدين أن يقلقوا من امثاله، اكثر مما يقلقوا من غيره؛ لأنه يلغي مبررات احتكارهم مناقشة الدين عندما يفتح أبواب هذا النقاش أمام العامة.
عندما يريد أي مثقف إسلامي، تنويري، معالجة عقلانية ولا عقلانية مبدأ الثواب والعقاب والجنة والنار. فانه يطرحها بصيغ ومعالجات كلامية أو فلسفية، لا تقع في صلب اهتمامات الإنسان "البسيط". أما القبانجي فلا يكلف هذا الإنسان الدخول في دهاليز علم الكلام، بل هو يقول له بصورة مباشرة: هل تقبل بأن تكسر يد ابنك عقاباً له على كسره قدح ماء؟ طيب فكيف تصدق بأن الله يشوي عباده بالنار سنيناً طويلة عقوبة لهم على ذنوب لا تستحق الشوي؟!! في إشارة إلى أن التعذيب بالنار، ولو كان لسنة واحدة، يعد عقوبة بشعة ومبالغ بها على أي ذنب مهما كبر، فما بالك بالبقاء في النار مئات السنين؟!
عولج موضوع الثواب، شأنه شأن الكثير من القضايا والمفاهيم الدينية، معالجة نخبوية، الأمر الذي خلق جداراً عازلاً بين هذه المواضيع وبين الناس المعنيين بها، إذ البسطاء من الناس يمثلون الأعم الأغلب من المتدينين، فلماذا لا يدخلون في مناقشة الإشكاليات الدينية؟ ولماذا يقتصر دورهم على تلقي المسلمات الإيمانية من رجال الدين؟ لماذا لا نصوغ الإشكالية بلغة يفهمونها ويتعاملون معها؟ خاصة وأن الله لا يترفع عن مخاطبة اي شريحة اجتماعية، ويفترض بالخطاب الديني ان يكون قادراً على النزول لجميع مستويات الفهم.
إن طرح الإشكالية الدينية بالطريقة التي يعمل من خلالها السيد القبانجي، طرح محرج بالنسبة للمؤسسة الدينية؛ لأنه يتجاهلها ويتوجه للناس. هو يجلس على منبر الخطباء الدينيين، لا ليملي على الناس مجموعة من المسلمات، بل ليناقشهم بها، وهو شجاع إلى درجة أنه يعرض أفكاره على الملأ ولا يخاف من مناقشتها في الهواء الطلق، ولذلك تم اعتقاله، فالمؤسسات الدينية تعرف جيداً أن اعتقال علامة الاستفهام، التي تتجول بين الناس، انفع من مناقشتها بحضورهم.
جميع التعليقات 1
Abu Semir
This is what we call it democracy. Well done Mr AlKbangy. We will be proud to have million like him.