TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > اعتقال علامة الاستفهام

اعتقال علامة الاستفهام

نشر في: 4 مارس, 2013: 08:00 م

تكمن اهمية السيد أحمد القبانجي بكونه يمثل منطقة وسطى بين افكار النخبة، وبين القاع الغائب عن النخبة من أفراد المجتمع. فهو يعمل على ترجمة، أو إعادة طرح الاشكاليات "النخبوية"، بلسان شعبي يفهمه ويعتني به من يُسَمُّون بـ"عامة الناس". هو ينتقل بالإشكالية الفكرية من كونها إشكالية نخبة معزولة، الى كونها إشكالية ناس بسطاء، من عمال وفلاحين وكَسَبَة. ومن هنا يحق لحراس الدين أن يقلقوا من امثاله، اكثر مما يقلقوا من غيره؛ لأنه يلغي مبررات احتكارهم مناقشة الدين عندما يفتح أبواب هذا النقاش أمام العامة.

عندما يريد أي مثقف إسلامي، تنويري، معالجة عقلانية ولا عقلانية مبدأ الثواب والعقاب والجنة والنار. فانه يطرحها بصيغ ومعالجات كلامية أو فلسفية، لا تقع في صلب اهتمامات الإنسان "البسيط". أما القبانجي فلا يكلف هذا الإنسان الدخول في دهاليز علم الكلام، بل هو يقول له بصورة مباشرة: هل تقبل بأن تكسر يد ابنك عقاباً له على كسره قدح ماء؟ طيب فكيف تصدق بأن الله يشوي عباده بالنار سنيناً طويلة عقوبة لهم على ذنوب لا تستحق الشوي؟!! في إشارة إلى أن التعذيب بالنار، ولو كان لسنة واحدة، يعد عقوبة بشعة ومبالغ بها على أي ذنب مهما كبر، فما بالك بالبقاء في النار مئات السنين؟!

عولج موضوع الثواب، شأنه شأن الكثير من القضايا والمفاهيم الدينية، معالجة نخبوية، الأمر الذي خلق جداراً عازلاً بين هذه المواضيع وبين الناس المعنيين بها، إذ البسطاء من الناس يمثلون الأعم الأغلب من المتدينين، فلماذا لا يدخلون في مناقشة الإشكاليات الدينية؟ ولماذا يقتصر دورهم على تلقي المسلمات الإيمانية من رجال الدين؟ لماذا لا نصوغ الإشكالية بلغة يفهمونها ويتعاملون معها؟ خاصة وأن الله لا يترفع عن مخاطبة اي شريحة اجتماعية، ويفترض بالخطاب الديني ان يكون قادراً على النزول لجميع مستويات الفهم.

إن طرح الإشكالية الدينية بالطريقة التي يعمل من خلالها السيد القبانجي، طرح محرج بالنسبة للمؤسسة الدينية؛ لأنه يتجاهلها ويتوجه للناس. هو يجلس على منبر الخطباء الدينيين، لا ليملي على الناس مجموعة من المسلمات، بل ليناقشهم بها، وهو شجاع إلى درجة أنه يعرض أفكاره على الملأ ولا يخاف من مناقشتها في الهواء الطلق، ولذلك تم اعتقاله، فالمؤسسات الدينية تعرف جيداً أن اعتقال علامة الاستفهام، التي تتجول بين الناس، انفع من مناقشتها بحضورهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Abu Semir

    This is what we call it democracy. Well done Mr AlKbangy. We will be proud to have million like him.

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram