اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > سينما > البحث عن محمود درويش في كردستان أو البحث عن كردستان في محمود درويش

البحث عن محمود درويش في كردستان أو البحث عن كردستان في محمود درويش

نشر في: 6 مارس, 2013: 08:00 م

(3-3) ليس بعيداً عن (سجل أنا عربي) كتب محمود دريش قصيدته، الى كردستان، لم يكن الأمر صدفة ولم يكن الخيار عابراً، كانت تلك اشارة نحو طريق سيذهب بها درويش بعيدا وفريدا عن انحيازه للقضايا الانسانية العادلة نقياً من الازدواجيات فما يبدأ في فلسطين يمر على

(3-3)
ليس بعيداً عن (سجل أنا عربي) كتب محمود دريش قصيدته، الى كردستان، لم يكن الأمر صدفة ولم يكن الخيار عابراً، كانت تلك اشارة نحو طريق سيذهب بها درويش بعيدا وفريدا عن انحيازه للقضايا الانسانية العادلة نقياً من الازدواجيات فما يبدأ في فلسطين يمر على جبال كردستان، ولا ينتهي في مرافعة الهندي الاحمر العابر للزمن، عن قضيته مع الرجل الابيض.
ليست قصيدة كردستان مدرجة في دواوينه، وربما انها ليست مسلحة بجماليات محمود درويش السامقة التي طورها فيما بعد، كما انها غير معروفة عربيا، لكنها قصيدة منقوشة عميقا عميقا في قلوب الاكراد في كل مكان، القصيدة التي اضافوا اليها بفرح قصيدة (ليس للكردي إلا الريح) المهداة لسليم بركات، التي ندرجها هنا بعد مقاطع من قصيدة (كردستان)
كردستان
قصيدة: محمود درويش، 1963
1
معكم
معكم قلوب الناس
لو طارت قذائف في الجبال
معكم عيون الناس
فوق الشوك تمشي.. لا تبالي
معكم عبيد الارض
من خصر المحيط الى الشمال
معكم أنا.. معكم أبي.. أمي
وزيتوني وعطر البرتقال
معكم عواطفنا.. قصائدنا
جنوداً في القتال
يا حارسين الشمس.. من أصفاد أشباه الرجال
ما مزقتنا الريح.. ان نضال أمتكم نضالي
إن خرّ منكم فارس.. شدت على عنقي حبالي
2
تحيا العروبة
هل خرَّ مهرك يا صلاح الدين؟
هل هوت البيارق؟
هل صار سيفك.. صار مارقا؟
من ارض كردستان
حيث الرعب يسهر والحرائق
الموت للعمال إن قالوا
لنا ثمن العذاب

الموت للزراع إن قالوا
لنا ثمر التراب
الموت للاطفال ان قالوا
لنا نور الكتاب
الموت للأكراد إن قالوا
لنا حق التنفس والحياة
ونقول بعد الآن فلتحيا العروبة!!
3
يا شهرزاد
الليل يفترس الصباح
وحقول كردستان.. موسمها جراح
الحب ممنوع.. وهمس الجار
لا شيء مباح
إلا دم الأكراد.. نفط الموقدين
مصباح عارهم.. بموت الآخرين
يا شهرزاد..
صدأت أساطير البطولة في لياليك الملاح
والذكريات البيض والمهر الذي ركب الرماح
والحب والأمجاد والسيف الذي ملَّ الكفاح
عار على بغداد
ما فيها مباح!
إلا دم الأكراد
في المذياع.. في صحف الصباح
(...)
يا شهرزاد..
الليل يفترس الصباح
والحب ممنوع
ومخدعك الوثير
ملقى على أقدام سيدك الحقير
ودماء كردستان تُغرِق سافحيها
واللاعب المأفون بالنيران
سوف يموت فيها.
ليس للكردي إلا الريح
يتذكر الكردي حين أوزره، غده..
فيبعده بمكنسه الغبار: اليك عني!
فالجبال هي الجبال.. ويشرب الفودكا
لكي يبقى الخيال على الحياد: انا
المسافر في مجازي، والكراكي الشقية
اخوتي الحمقى.. وينفض عن هويته
الظلال: هويتي لغتي  أنا.. وأنا.
انا لغتي.. انا المنفي في لغتي.
وقلبي جمره الكردي فوق جباله الزرقاء..
نيقوسيا هوامش في قصيدته
ككل مدينة اخرى على دراجة
حمل الجهات وقال: اسكن اينما
وقعت بي الجهة الاخيرة.. هكذا
اختار الفراغ ونام، لم يحلم
بشيء منذ حل الجن في كلماته،
(كلماته عضلاته.. عضلاته كلماته)
فالحالمون يقدسون الأمس، او
يرسون بواب الغد الذهبي..
لا غد لي ولا أمس.. الهنيهة
ساحتي البيضاء..
منزله نضيف مثل عين الديك
منسي كخيمة سيد القوم الذين
تبعثروا كالريش.. سجاد من الصوف
المجعد.. معجم متآكل.. كتب مجلدة
على عجل.. مخدات مطرزه بابرة
خادم المقهى.. سكاكين مجلخة لذبح
الطير والخنزير.. فديو للاباحيات.
باقات من الشوك المعادل للبلاغة..
شرفة مفتوحة للاستعارة.. ها هنا
يتبادل الأتراك والإغريق ادوار
الشتائم.. تلك تسليتي وتسلية
الجنود الساهرين على حدود فكاهة
سوداء..
ليس مسافراً هذا المسافر، كيفما اتفق..
الشمال هو الجنوب.. الشرق غرب
في السراب.. ولا حقائب للرياح.
ولا وظيفة للغبار، كأنه يخفي
الحنين الى سواه، فلا يغني.. لا
يغني حين يدخل ظله شجر الاكسيا،
او يبلل شعره مطر خفيف..
بل يناجي الذئب، يسأله النزال:
تعال يا ابن الكلب نقرع طبل
هذا الليل حتى نوقظ الموتى، فان
الكرد يقتربون من نار الحقيقة،
ثم يحترقون مثل فراشة الشعراء
يعرف ما يريد من المعاني كلها
عبث.. وللكلمات حيلتها لصيد نقيضها، عبثاً يفض بكارة الكلمات ثم يعيدها
بكراً الى قاموسه.. ويوسوس خيل
الابجدية كالخراف الى مكيدته، ويحلق
عانة اللغة: انتقمت من الغياب
فعلت ما فعل الضباب باخوتي.
وشويت قلبي كالطريدة، لن اكون
كما اريد، ولن احب الارض اكثر
او اقل من القصيدة.. ليس
للكردي الا الريح تسكنه ويسكنها
وتدمنه ويدمنها، لينجو من
صفات العرض والاشياء..
كان يخاطب المجهول.. يا ابني الحر!
يا كبش المتاه السرمدي، اذا رأيت
أباك مشنوقاً فلا تنزله عن حبل
السماء، ولا تكفنه بقطن نشيدك
الرعوي، لا تدفنه يا ابني، فالريح
وصية الكردي للكردي في منفاه
يا ابني.. والنسور كثيرة حولي
وحولك في الاناضول الفسيح
جنازتي سرية.. رمزية، فخذ الهباء
الى مصائره ، وجر اسماءك الاولى
الى قاموسك السحري، واحذر
لدغة الأمل الجريح، فانه وحش
خرافي، وانت الان.. ان الان
حر، يا ابن نفسك، انت حر
من ابيك ولعنة الاسماء..
باللغة انترت على الهوية
قلت للكردي، باللغة انتقمت
من الغياب
قال: لن امضي الى الصحراء
قلت ولا انا..
ونظرت نحو الريح
- عمت مساءً
- عمت مساء!
شهادات
محمود درويش نفتقدك
حسين حبش
كنا نعلق صورته بجانب صور احمد  خاني وجكرخوين وشفان برور وتشي غيفارا..
تبدأ علاقتي بمحمود درويش منذ الطفولة، من الكتب المدرسية تحديداً واتذكر ان بعض هذه الكتب كانت تحتوي على قصائد جميلة وبسيطة له، كنا نقرأها بحب وبراءة متناهية ومن جملة تلك القصائد اتذكر تحديدا هذان المقطعان من قصيدة يقول فيها:
إنا نحب الورد لكنا نحب القمح أكثر
ونحب عطر الورد لكن السنابل منه أطهر
وأتذكر ايضا انه كان في حوش دارنا في القرية حديقة ورد كبيرة وواسعة تزين الدار وتملأ المكان برائحة العطر الزكية، حديقة كانت امي قد غرزتها بيديها وسقتها بقلبها لذلك كان انحيازي الطفولي للورد اكثر منه للقمح، فكانت احرف المقطع الاولى من المقطعين السابقين تلقائيا بحيث اجعله هكذا: إنا نحب القمح لكنا نحب الورد اكثر. كنت افعل ذلك ربما لتحبني امي اكثر او ترضى عني، لا ادري منذ ذلك الحين وكل ما ذُكر اسم محمود درويش امامي عبقت رائحة وانتعشت المخيلة بالعطر وذكريات الطفولة.
ثم فيما بعد في مرحلة الفتوة والشباب بدأنا نقرأ له قصائد ودواوين كثيرة ومختلفة اقرب الى مزاجنا اليساري والثوري آن ذاك! دواوين من قبيل اوراق الزيتون وعاشق من فلسطين والعصافير تموت في الجليل وحبيبتي تنهض من نومها واحبك او لا احبك وتلك صورتها وهذا انتحال العاشق ومديح الظل الحالي.. هذه الدواوين شكلت بالنسبة لنا زادا ثوريا ونضاليا الهمتنا الكثير من العنفوان والامل والايمان بالحياة والمستقبل، وان الغد -بطبيعة الحال- سيكون اجمل وابهى! اي "لا غرفة التوقيف باقية ولا زردت السلاسل.." بمعنى آخر اننا حين كنا نقرأ في ذلك الوقت لمحمود درويش كنا نجد في طيات حروفه هذا الشبه الكبير بين مأساته ومأساتنا، امله واملنا، معاناته ومعاناتنا، قصيدته وقصيدتنا، فلسطينه وكردستاننا.. لذلك احببنا بعمق، شاعرا متمردا ثوريا مناضلا مقاوما وعاشقا لشعبه ووطنه، احببناه اخا وصديقا كبيرا، نقرأ له بحماس منقطع النظير، نتابع حواراته ونتقصى اخباره من هنا وهناك.
ولا بد لي ان اذكر في هذا المقام ان البعض منا لم يكن يتردد لحظة بوضع صورته الى جانب صور احمد خاني وجكرخوين وشفان برور وتشي غيفرا.. محبة وتقديرا، لكن برغم هذه المحبة الغامرة والتقدير الكبير لم نكن ننسى عتابنا له، متساءلين: اين هي قصيدتك المسماة "كردستان" لماذا اختفت من كل طبعات دواوينك؟ هل من سر وراء ذلك؟ والتي تقول في مطلعها:  معكم قلوب الناس/ لو طارت قذائف في الجبال/ معكم عيون الناس/ فوق الشمس تمشي لا تبالي/ معكم عبير الارض/ من خصر المحيط الى الشمال/ معكم انا.. امي.. ابي.. / وزيتوني وعطر البرتقال/ معكم عواطفنا.. قصائدنا/ جنود في القتال..
ربما في هذه المرحلة من اعمارنا لم نكن نقرأه شاعرا باتقان، او ربما قرأناه باتقان اقل.. ربما كنا نبحث عن ضالة اخرى في الشعر غير الشعر.. ربما لم نكن ندري ان للشعر فتناً ومواجع اخرى تقع ابعد قليلا عن احلامنا الساذجة بتغيير العالم نحن الافضل وتحرير الارض والانسان!
اما فيما بعد او فيما يمكن تسميته بفترة النضوج واتساع الخبرة والتجربة والقراءات التي تعمقت اكثر فاكثر، فان رؤيتنا للشعر واسراره قد تغيرت كثيرا فبتنا نقرأ محمود درويش وغيره من الشعراء شعريا، شعريا فحسب من دون اية حمولة ثورية او نضالية او افكار خارجة عن شجون وشؤون الشعر ومشاغله حتى ولو كانت هذه الحمولة ظلت باقية وموجودة في بعض القصائد، واعتقد ان محمود درويش ايضا قد احدث تغييرا عبقريا كبيرا وطفرة هائلة نوعية ونادرة في شعره قلـَّما استطاع غيره من الشعراء فعل ذلك، فمنذ ديوانه الاحد عشر كوكبا الذي صدر في بداية التسعينيات من القرن المنصرم مرورا بدواوينه الاخرى الكبيرة كديوانه لماذا تركت الحصان وحيدا وسرير الغريبة ولا تعتذر عما فعلت وكزهر اللوز او ابعد واثر الفراشة الذي اعتبره شعرا خالصا خلافا لما ورد على غلافه من حيث تسميته باليوميات وصولا الى ديوانه الاخير، لا اريد لهذه القصيدة ان تنتهي الذي صدر بعد رحيله، ولن ننسى كتابه النثري الفذ ذاكرة للنسيان ولان هذه الكتابات والدواوين العظيمة مست في اعماقنا ما هو جوهري واساسي، فكان لها وقع السحر علينا وعلى ذائقتنا الشعرية والجمالية والمعرفية، وما زال لها تأثيرها البالغ ليس علينا فقط ، بل اكاد اقول على اغلب الشعراء في العالم، محمود درويش نفتقدك شاعرا عظيما وملهما فبرغم ان الريح، حتى الريح ليست لنا فلنا قصائدك الخالدة فمن يستطيع ان يحجبها عن ارواحنا وقلوبنا؟

النسر الذي ارتفع ولن ينخفض
اخين ولات
كان يكفي ان ادرك من خلاله ان الشعر كائن خرافي لا يدركه سوى ابناء الجن حتى اتعلق وان مراهقة بمقهاه الصغير الذي هو كل الحب لاصل وانا الحالمة ان "ليس للكردي الا الريح" فاترك المقهى ارضا واسابق العاصفة.
كما المطر لا يخطأ حاجة الارض له، كذلك هي عدالة القضايا لا تخطأ قط في انجاب العمالقة- الاستثنائيين.
محمود بركات وسليم درويش هكذا كان يتحد هذان الرمزان لدينا كما عدالة القضيتين الفلسطينية والكردية، وهكذا صرنا نقتدي بكتاباتهما مسحورين بعوالمهما التي لم تكن لتشبه عالمنا الصغير في شيء سوى خيط من الضوء رفيع ومشرق، افضى بنا الى هذا الكائن العاصي الاليف الذي هو الشعر.
انا لاعب النرد اربح حينا،
واخسر حينا.
انا مثلكم او اقل قليلا.
كما كان لوقع هذا المقطع الصغير من اثر عظيم في منحى كتابتي مثلا!!!
وكم تخيلت حصانه المتروك وحيدا لا ينتظر احدا سوى "دينكوا" سليم بركات وكم كان الوقت ضيقا لنستطيع فهمهما كما يجب!
ربما هو الجرح الذي جعلنا نبقي على قيد ابداعهما المستفيض او شيء آخر اكثر بلاغة من الوجع او ربما هي غواية شياطين الشعر..
ويبقى عملاقا الشعر من اجل ما اضاءت كلماتهما عتمة نفوسنا مذ عرفنا ان للكلمة ممرات سرية لن يتركها سوى من يخلص في حبه لابناء القضايا العالقة والجان والخرافة.
"يتذكر الكردي حين ازوره، غده..
فيبعده بمكنسة الغبار:
اليك عني، فالجبال هي الجبال
ويشرب الفودكا لكي يبقى الخيال
على الحياد: انا المسافر في مجازي،
والكراكي الشقية اخوتي الحمقى.
وينفض عن هويته الضلال:
هويتي لغتي انا، وانا..
انا لغتي، انا المنقي في لغتي
وكان هذا المقطع كافيا جدا بالنسبة ايضا لاختيار الهجرة الطوعية نحو اللغة ملاذا وملجأ وصومعة.
"على دراجة حمل الجهات وقال:
اسكن اينما وقعت بي الجهة الاخيرة"
العمق الدرويشي الذي كتب به هذا المقطع واستفحال والوجع الكردي فيه كان كافيا ايضا لاقناع بان لا يشعر بالوجع ويبدع في وصفه سوى ابنائه البارين.
الف شمعة يضيؤها شعر محمود درويش الساكن فينا ابدا، ونحن نجاهد للانفصال عن عتمات روحنا نحو  الشمس.
نحو النسر في تحليقه الابدي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

سعادة عابرة" لسينا محمد: شاعرية سينمائية مرهفة

(وادي المنفى).. فيلم واقعي عن اللاجئين السوريين في لبنان

في ختام مهرجان "كارلوفي فاري" فيلم "غريب" للمخرج "زينغفان يانغ" ينال الجائزة الكبرى

مؤسسة البحر الأحمر تكشف عن الفرق المُختارة من تحدّي صناعة الأفلام

مقالات ذات صلة

سعادة عابرة
سينما

سعادة عابرة" لسينا محمد: شاعرية سينمائية مرهفة

قيس قاسميرسم المخرج الكردي سينا محمد على سطح لوحته السينمائية، التي يُسمّيها "سعادة عابرة" (2023)، نافذة صغيرة، يطلّ منها على موطنه، بعين رسّام سينمائيّ يتأمّل، من الأفق الذي تُشَرعه، عيش أهله، ثم يذهب بخياله...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram