من المناسب الإيضاح أن المصباح هنا ليس "كلوب أبو المية" المتوهج ليلا بالطاقة الكهربائية من أبو المولدة ، وليس ذلك المصباح في نهاية النفق الوارد في تصريحات السياسيين المتفائلين جدا جدا باحتواء وتجاوز الأزمة الراهنة ، انه صباح الفرد العراقي الذي يستقبل يومه بوجه عبوس ، وعلامات قلق واضحة على محياه من احتمال التعرض لمفاجآت ليست على باله ، قد تطول أمنه الشخصي وربما تهدد حياته بانفجار عبوة ناسفة أو سيارة مفخخة لا سمح الله .
من الطبيعي جدا أن تستغرق رحلة الأشخاص من سكنة أحياء متفرقة في العاصمة بغداد إلى أماكن عملهم زمنا ليس قليلا ربما يتجاوز الساعتين ، ومن يستقل الكيا "يقتل الوقت " بالنوم وأحيانا بالصفنات ، أو إشغال البال بإعداد جدولة لموازنة الدخل الشهري ، وإيجاد أعذار لتأجيل الديون المستحقة بذمته ، أما التفكير بمشاريع مستقبلية فهي من الخطوط الحمر في العقل العراقي المنشغل بهمومه منذ عشرات السنين ، والعراقي عندما يشاهد إعلانات شركات السفر السياحية إلى لبنان وتركيا المنتشرة في الشوارع العامة ، يطلق آهة تعبر عن حزنه الثقيل وأسفه البالغ لعجزه عن تحقيق أمنية أسرته في السفر إلى الخارج ، لكونه يخضع لنوع خاص من الاحتلال يتمثل بدفع بدل إيجار الدار ،يستنفد أكثر من نصف الدخل الشهري.
الفرد العراقي مقارنة بالكويتي أو السعودي والقطري ، وعلى الرغم من حمل الجميع جنسيات بلدان نفطية، تميز عن الآخرين بأنه دفع ضرائب باهظة جراء سياسة حكامه السابقين واللاحقين ، فهو حتى هذه اللحظة لا تتوفر له خدمات صحية مجانية ، ومدارس أبنائه من الطين ، يحلم في الحصول على سيارة ، ويتمنى صدور" قرار ثوري" يمنحه شقة سكنية أو قطعة ارض بمساحة 40 مترا مربعا يضع فيها كرفان الجينكو للتخلص من استعمار الإيجار، ووعود تحقيق أمنياته وأحلامه سمع من أبدى استعداده لتنفيذها من مسؤولين وقادة سياسيين ، أصبحوا اليوم بحسب تصوره سببا في خيبته ، وجعلوا مصباحه" أكشر" يرى فيه نجوم الظهر .
مصباح العراقي "الأكشر" ليس وليد اليوم ، وإنما يعود تاريخه إلى عشرات السنين الماضية عندما كان أغلب العراقيين يعيشون تحت خط الفقر ، وكان أحدهم يحلم بشراء" نعال شطراوي" ودشداشة بازة لام العيال والتخلص من الصريفة والانتقال إلى بيت طيني، يضمه مع زوجته وأبنائه والبقرة الوحيدة لكونها أهم ممتلكاته ، ونموذج آخر عندما تحقق حلمه بتناول نفر كباب في النجف أثناء مشاركة "الجنازة "في دفن احد وجهاء قريته ، ظل يحدث الأبناء والأحفاد عن حدث تناوله الكباب لحين وافاه الأجل وانتقل إلى جوار ربه ، لكن لقب بيت "البو الكباب" بضم الميم ظل ملتصقا بسلالة تلك العائلة حتى هذا اليوم ، ولا غرابة في الأمر مادام الحدث التاريخي المهم في حياة كبير الأسرة يعكس مقطعا واقعيا لمصباح العراقي "الأكشر" في الماضي والحاضر ، وبنجاح كبير بجهود من يحتل شاشات الفضائيات يوميا ويعلن أن المستقبل الزاهر بانتظار العراقيين ، فتعلق امرأة من "سلالة البو كباب" على المسؤول بطل الشاشة "عساه مصباح أكشر على روسكم " آمين .
مصباح العراقي
[post-views]
نشر في: 6 مارس, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 1
عقيل العتابي
والله يا ابو احمد كلامك ذهب ومنطقي بس ضوجتني شكَد اتذكرت من اجدادنه ماتوا وما سحكَوا التبليط خطية وبعدين تدري هذا ابو الكباب لو لابكَله قوطية سفن وراه جان هسه هو بطل قومي