لا أتذكر اسم الكاتب أو الإعلامي الغربي، الذي عبّر عن حيرته في تفسير خروج متظاهرين مصريين بحشود كبيرة تدعو الرئيس جمال عبد الناصر للتراجع عن قرار استقالته بعد أن خسرت مصر خسارة مخزية في حرب 1967 مع إسرائيل. الكاتب يرى أن المنطق والعقل يحكمان بأن شعباً يهان بتلك الخسارة حريّ به أن يتظاهر طالباً من رئيسه التنحي وليس العكس. أضف لذلك أن عبد الناصر لم يحقق عيشاً رغيداً لأهل مصر، وعاشت البلد في أيام حكمه تحت ظل نظام دكتاتوري عسكري بامتياز. الشعوب الحيّة تستغل دروس الانتكاسة لتحرر نفسها من الطغيان لا لترسخه.
حيرة ذلك الغربي قارنها بموقف البريطانيين من تشرتشل الذي يعترف الجميع بنجاحه في حماية لندن من السقوط بيد النازية. صار تشرشل بنظر الشعب البريطاني بطلاً شعبياً وليس سياسياً وعسكرياً حسب. مع هذا حين رشّح للانتخابات كانت نتيجته الفشل على عكس كل التوقعات بنجاحه نجاحاً ساحقاً. السبب هو أن الشعب فكر بمصلحته لأن نظام الرعاية الاجتماعية والاقتصادية الذي جاء به تشرتشل في برنامجه الانتخابي لم يكن أفضل من برامج منافسيه. ظل الكاتب حائراً وهو يرى أكثر من تفسير منطقي لموقف الشعب البريطاني بينما لم يعثر على تحليل واحد يعينه على تفسير ذهنية الشعب المصري.
اليوم تذكرت ذلك الكاتب إذ وجدت نفسي محتاراً مثله وأنا أتابع أخبار انتخابات مجالس المحافظات وأتطلع إلى نتائج الانتخابات البرلمانية بعد عام. دولة القانون يجزم على انه سيكتسح الآخرين وسيحصد أعلى الأصوات. يراهن أعضاؤه على "شعبية" المالكي من دون أن اسمع صوتاً واحداً يفسر سبب تلك "الشعبية". يقولون إنه حقّق الأمن والأمان للعراق. ومع احترامي لهم، ولمن يصدقهم من الناس والسياسيين، أقول إنها أكذوبة كبيرة. فعن أي تحسّن أمني يتحدثون وعدد قتلى الحوادث الإرهابية بالعراق، في العام 2012 لوحده، وصل إلى 4568 حسب الإحصاءات الحكومية التي من عادتها أن تقلل العدد؟ هذا طبعاً عدا الجرحى وأكوام الخراب المادي. وفي هذا الشهر الذي نحن فيه ولحد اليوم السابع منه وصل العد 63 قتيلاً والشهر بعده بأوله.
وإن كانت هذه الأعداد المرعبة أفضل مما حدث في عامي 2006 و 2007 فإن الفضل في تحسنّها يعود للصحوات وقوات التحالف وليس للحكومة. وحتى الافتخار بهذا التحسّن ليس إنسانياً. فلو قُتل شخص واحد في أي بلد يعد انتكاسة أمنية وليس تحسناً. فما بالكم بما طرحته من أعداد؟ الغريب أن الضمائر السياسية والسلطوية، بشكل أخص، تتحدث عن التحسّن وكأنها تتكلم عن سعر صرف الدينار. إنها دماء الناس ومع هذا يعاملونها وكأنها بورصة!
أما عن الخدمات وأحوال العراقيين المعيشية في زمن موارد البلد النفطية التي يصعب حصرها وميزانيته التي لو فرشت أوراقا لغطت أرضه كلها، فانظروا لأفواج البطالة وجموع الشحاذين والساكنين في بيوت التنك والنباشين في أكوام الزبالة بحثاً عن كسرة خبز. ومدن بفعل غياب الخدمات يصح أن تكتب عند مداخلها أنها "كانت مدينة سابقا".
كل ذلك مثبت محلياً ودولياً ومع هذا يأتيك من يهددك بسلاح "الشعبية". أي طغيان ينتظر هذا الشعب إن هو لم يفكر مثلما فكر البريطانيون. وأي حال سيكون عليه لو انه أعاد "فيلم" تمسك المصريين بعبد الناصر برغم انه أذاقهم طعم الانتكاسة بعد الهوان.
ليس عندي لأخمد صرخة تريد أن تنفجر بداخلي، غير أن أتمثل بقول صديقي الشاعر جمعة الحِلفيّ:
بيّه جروح لو تكدر تعدهن جا صحت "بوياااااااااااااااااااااي"،
بس انت صدك مجروح.
جميع التعليقات 3
رمزي الحيدر
أن الشعب الذي يهان كل يوم و يسرق قوته ورفاهيته و مستقبله و لا يجرأ على التغير ، أكيد أنه شعب جاهل و متخلفً.
المدقق
ان كل الخراب والدمار الذي اصاب العراق تقع مسؤوليته على كل الكتل السياسية فلا تحملوا المالكي وحده المسؤولية ولا تقولوا بانه رئيس الوزراء ويتحمل كامل المسؤولية لانكم تعلمون الطريقة السمجة المسماة بالتوافقية والتي يدار بها البلد .. فما دام هنالك محاصصة ومشار
حسنة
لا ادري ماذا حل بالعراقيين هل لا ينظرون باعينهم ولا يسمعون باذانهم نعم انه المذهب وكأن المذهب اختزل بكامله في شخص المالكي ارجوكم اختاروا من كان الافضل حتى وان كان المالكي نزيها فباصراره على المنصب وبسب سياسته الهوجاء سوف يذهب بالعراق الهاوية تذكروا الايه