أصرّ صديقي الذاهب إلى العراق أن يشتري هدية فخمة لوالدته بمناسبة عيد الأم. جال في مولات القاهرة ساعات طوال إلى أن حظي بما يبحث عنه: ماكينة "ست البيت" من النوع الفاخر.
لدي إحساس بأن هذه التسمية اختراع عراقي. فالعراقيون يسمون ما تنتجه التكنولوجيا بأسماء من عندهم تمحو اسمها الأصلي ولا تُعرف عندهم بغيرها. فهم من سمى السيارات بأسماء عراقية بعضها لا يخلو من مسحة كاريكاتورية. فهناك "العنچة" و" أبو شوارب" و "أبو عليوي" و "الرگّة" و "البطّة" و "ليلى عِلْوي" والقائمة تطول. وفي دنيا الهواتف النقّالة أسماء يصعب حصرها بدءاً من "الطابوگة" وليس انتهاء عند "الدب"، وأترك لكم إكمال القائمة.
المهم، أن صاحبي اتصل بي من بغداد ليشرح لي كيف استقبلت والدته الهدية. قال لي إنه فاجأها بالصندوق المغلف بشكل أنيق ثم شرح لها أن هذه الماكينة تفعل كل شيء: تعصر، تثرم، تقطع، تطحن، تعجن إلى آخره. صفنت الأم مندهشة وسألته: يمّه هي هم تلف دولمه؟ لا. زين تسوي كبة؟ لا. شيخ محشي؟ لا يمه. عَددتْ أشياء أخرى وصاحبي يجيبها بالنفي. ردت عليه بألم: چا يمّه ليش شلعت قلبك وكلفت نفسك وجبتها مناك لهنا وهي ما بيها فايده؟!
يضيف صاحبي إن الأمر لم يقف عند ذلك، بل دخل أخوه على الخط وصار يشرح له عيوب الأجهزة المتعددة الأغراض. فهذا التعدد، برأيه، يكون على حساب الجودة شأنه شأن منتجات "2 في1" و "3 في 1" و "4 في 1". خلص الأخ إلى أن المشكلة الأكبر في تلك المنتجات أنها سريعة العطل صعبة التصليح. والأفضل برأيه أن نشتري جهازاً أو منتجاً مخصصاً لغرض واحد لضمان جودة الأداء وبقائها صالحة للاستعمال مدة أطول.
اختصر صديقي معاناته بأنه ظل يفر بأذانه لا يدري ماذا يقول. أقسم انه لن يشتري هدية لأهله بعد اليوم لأنه برغم كل ذلك التعب والخسائر بدا أمامهم وكأنه مو خوش آدمي ولا يفهم شيئاً. هوّنت عليه وقلت له ما دمت تحتفظ "بوصل" الشراء فارجع الماكينة واسترجع ثمنها. رد علي بأنه فعلا قد قرر ذلك.
تأملت ما قاله شقيق صاحبنا ولا أدري إن كان محقاً في كلامه أم لا، برغم أني سمعت بمثل آرائه من قبل. خطر ببالي أن انقل ما قاله حيال التخصص والتعدد وأطبقه على البشر، فلاحت صورة حكومتنا أمامي. رئيسها، مثلا، يقوم بمهمة القائد العام للقوات المسلحة ويقود الأجهزة الأمنية والمخابراتية ووزارتي الدفاع والداخلية ويستحوذ على الهيئات المستقلة ولا يبخل في أحيان كثيرة على القضاء ليشمله بتدخلات علنية تارة وسرية تارة أخرى. ثم أن عينيه تحومان على البنك المركزي. ناهيكم عن عدم تفويت أي فرصة ليخطب في أهل العلم والتربية والثقافة والدين والرياضة والصحافة والنساء. ماذا بقى لـ "ست البيت"؟
لم أجد غير أن اتفق مع الشقيق "الفيلسوف" بأن التعدد بالأغراض يكون على حساب الجودة. فها هي الخدمات متردية والأمن هشّ والمزابل منتشرة والفساد متفش والبلد يرجع إلى الوراء كل يوم. كلها أدلة تثبت صحة ما ذهب إليه. ناهيكم عن الأعطال التي انتابت الحكومة فأصابت جسدها بالشلل.
وإن كان صاحبي سيعيد الماكينة للمحل الذي اشتراها منه ليستبدلها أو يسترجع ثمنها، فلمن نعيد "ست بيت" الحكومة وقد ضيعنا "الوصل"؟
جميع التعليقات 6
ماجد ألحيالي
ألسيدألطيب هاشم حقاانكم خيرمن يعبرون عناونحن نشاهدونسمع كل يوم ما يجري في العراق و ما ألت اليه الآمور .أطلب منك ان تكتب عن مستوى الثعليم في السنوات الماضية (1950-منتصف السبعين)و كيف كانت تستقبل الطلبة من جميع الدول العربيةوالآسلاميةوقد تخرج منها كثير من
shatha
(fabraka) means lying
اكرم حبيب
امتعتني يارجل طاب قلمك مع احترامي
موفق خسرو الفيلي
كان الرئيس السابق يتدخل في كل شى حتى في مهنةالطب وكان يحتل التلفزيون من الثامنة وحتى التعزيلة ولكن نسي شى واحد هو افلام الكارتون عسى ان يتذكر صاحبنا ذلك
رعد مهنا
مع جل احترامي لجميع كتاب المدى المحترمون , الا ان السيد هاشم هو اكثر كاتب يقترب ويلامس النفس العراقية بخلجاتها واحاسيسها ويعبر بحبكة منسوجة باتقان عن اتجاهات التفكير الحر للعراقي بكافة مستوياته تحية خالصة معطرة بالود والتقدير .
أحمد السرحان
هناك خلط في الكلام يا سيدي فكل رؤساء الحكومات في العالم كله لا استثني منهم واحد يتدخلون برسم سياسة الدولة في كل مفاصل الحياة تقريباً و لكنهم لا يديرونها بصورة مباشرة هذا هو الفرق. اما ادارة و تنفيذ البرامج و الخطط فهي كما تعلم و يعلم الجميع من اختصاص الوز