يسود الشعور بين أفراد أجهزة الشرطة ، بأن التعامل مع المشتبه بهم ، الذين يعانون اضطرابات عقلية ، أمر شديد الصعوبة وبالغ الخطورة أيضا . فمؤخرا ، لقيت الشرطية آن جاكسون واثنان من المدنيين مصرعهم في أمريكا إثر إطلاق نار عليهم من قبل شخص مضطرب عقلي
يسود الشعور بين أفراد أجهزة الشرطة ، بأن التعامل مع المشتبه بهم ، الذين يعانون اضطرابات عقلية ، أمر شديد الصعوبة وبالغ الخطورة أيضا .
فمؤخرا ، لقيت الشرطية آن جاكسون واثنان من المدنيين مصرعهم في أمريكا إثر إطلاق نار عليهم من قبل شخص مضطرب عقليا .
وكان لجاكسون اتصالات سابقة مع المشتبه به ، وحاولت مساعدته مع عائلته ، إلا أن تجربتها السابقة مع المشتبه به لم تساعدها في التعامل معه ، بل إن والدته كانت ترى أن المرض العقلي تمكن منه ، وإن حالته أصبح ميئوسا منها ، وقد سلطت هذه المأساة الضوء على الأخطار الناجمة عن الاتصال مع المشتبه بهم الذين يعانون أمراضاً عقلية، كما أكدت الحاجة إلى ضرورة تزويد أفراد الشرطة بالمعلومات والوسائل المناسبة للتعامل مع مثل هذه الحالات ،وفي الوقت نفسه توفير أقصى درجات السلامة والأمان لهم .
وقد يرى بعض رجال الشرطة ، أنه لا داعي لمثل هذه الإجراءات من منطلق أنهم ليسوا موظفين اجتماعيين أو أطباء نفسيين ، ولا يحتاجون لهذا النوع من التعلم ، إلا أن هذا الرأي غير دقيق ، إذ يحتاج رجل الشرطة إلى معرفة الكثير من المرض النفسي ، حيث انه بحكم طبيعة عمله سيجد نفسه مع المصابين بالأمراض العصبية ، حيث أن هذا الاتصال قد يشكل خطرا عليه وعلى من حوله.
ووفقا لتقرير المعهد الوطني الأميركي للصحة العقلية ، فإن هنالك نحو 83 مليون أميركي أي نحو 20% من عدد السكان يعانون اضطرابات عقلية .
ويتم تقسيم الأمراض العقلية إلى فئات مختلفة تشمل : اضطراب الحالة النفسية والاضطرابات العصابية والعقلية ، حيث تشمل اضطرابات الحالة النفسية : الاكتئاب ، والاضطراب ثنائي القطبية ، كما تشمل أعراض الاكتئاب مثل الحزن المتواصل ، وانعدام الأمل وسرعة الغضب والنوم المضطرب وانخفاض الطاقة وصعوبة التركيز .
أما الاضطراب ثنائي القطبية ، فهو عبارة عن تقلبات مزاجية حادة ، تتراوح ما بين الاضطراب إلى المس ،وهو ضرب من الجنون ، وتتصف أعراضه بعدم الرغبة في النوم والشعور بالضعف وعدم القدرة على اتخاذ القرارات ، وعدم الاعتراف بالخطأ . وتختلف هذه الحالة في مدة ودرجة تكيفها حيث ترتبط بالجينات ، ولهذا فان الأعراض المتشابهة قد توجد بين أفراد الأسرة الواحدة.
ويتضمن العلاج عادة ، تناول العديد من الأدوية التي تعمل على تهدئة الحالة العصبية لدى المريض ، وعلى رجل الشرطة أن يكون مجهزا بالأدوات التي يحتاج إليها للمحافظة على سلامته خلال تعامله مع أي شخص مريض عقليا . فكل جزء من المعلومات يحصل عليه قبل وصوله إلى الموقع ، سيمثل أداة أخرى قد يحتاج إليها ، كما أن الجهاز الذي يعمل لديه يحتاج إلى التشجيع من اجل جمع أقصى ما يستطيع من المعلومات وتحويلها إلى الشرطي ذي العلاقة ، وفي حالة وصوله إلى موقع الحدث ، فإنه سيجد هناك العديد من الشهود والمخبرين ، ويجب معرفة طبيعة المرض الذي يعانيه المشتبه به ، ونوعية العلاج الذي يتلقاه ، ومتى آخر مرة تناول فيها الدواء ، وما هو سجله في ممارسة العنف ، وهل في حوزته أسلحة أو يسهل عليه الحصول عليها .
كما يجب معرفة ما إذا كان هذا الشخص لديه شيء ما يشعره بالأمان ويخفف عنه أعراض المرض العصبي ، فمثلا إذا كانت هنالك رغبة في نقل هذا الشخص إلى مصحة عقلية ، فيجب السماح له أن يأخذ معه دمية قد تجعله هادئا خلال الرحلة .
الوسيلة الأفضل للاتصال بشخص يعاني مرضا نفسيا تتمثل في وجود ضابطي شرطة ، حيث يقوم الضابط الأول باتخاذ موقع مناسب للاتصال، بينما يوفر الضابط الآخر التغطية لضابط الاتصال .
ويجب أن يبقى كل من ضابط الاتصال ، وضابط التغطية على مسافة كافية من المشتبه به ، بحيث يمكنهما اتخاذ أي رد فعل مناسب في حال تعرضا لأي تهديد من قبل المشتبه به ، كما أن هذا الأسلوب سيمنح المشتبه به شعورا بأنه بعيد عن أي تهديد مباشر .
وعلى ضابط التغطية أن يتخذ موقعا يكون من خلاله جاهزا لاستخدام القوة عند الضرورة ،وفي الوقت نفسه ألا يعمل على صرف انتباه المشتبه به عن التفاعل مع ضابط الاتصال.
ويجب أن يكون ضابط الاتصال الوحيد الذي يتحدث إلى المشتبه به ، فالأسئلة المطروحة من قبل ضابطي الشرطة ، قد تؤثر سلبيا على الحالة العصبية للمشتبه به .
وفي حال عدم إمكانية توفر اثنين من ضباط الشرطة لمواجهة المشتبه به ، فان على ضابط الاتصال أن يستعين بدورية الشرطة بحيث تقف في مكان يفصل بينه وبين المشتبه به ، كما ستكون بمثابة تغطية لضابط الاتصال.
يجب على ضابط الاتصال أن يتصف بالهدوء وأن يكون صوته ثابتا خلال تعامله مع المشتبه به ، وعليه أن يوجه أسئلة جيدة مثل : هل رأيت طبيبا من قبل أو استشاريا نفسيا ؟ هل تعرف طبيعة المرض الذي تعانيه ، هل تم وصف أي علاج لك ؟ هل اتبعت إرشادات الطبيب خلال تناولك للدواء ؟ متى تناولت الدواء للمرة الأخيرة ؟ هل بحوزتك أية أسلحة ؟ ما هي الأصوات التي تطلب منك فعل شيء ما ؟
هذه الأسئلة التي يمكن طرحها والتي تكون ممزوجة بالمعرفة حول المعالجة الطبية الخاصة بالاضطرابات العصبية ستمنح ضابط الشرطة الكثير من المعلومات القيمة.
ويجب على ضابط الاتصال أن يتمتع بالمرونة خلال تعامله مع الشخص المضطرب عقليا ، ففي حال أن هذا الشخص يعاني وهم تعرضه للأرواح الشريرة إذا لمس شخصا ما ، فان على الضابط أن يعرض عليه ارتداء قفاز قبل وضع الأصفاد حول يديه .
ومن الملاحظ أن العديد من الضباط الذين تعرضوا للقتل من قبل الأشخاص المضطربين عقليا ، كان لديهم اتصال سابق بهم، وهذا يعني أن الأمور قد تتغير بين الطرفين ، ويجب إدراك انه في حال كان المشتبه به يواظب على تناول الدواء فانه يمكن للضابط عندئذ أن يحل الموقف دون اللجوء للقوة ،إلا انه في حال لم يكن المشتبه به قد تناول العلاج منذ فترة طويلة ، فان على ضابط الشرطة أن يدرك انه سيواجه عندئذ شخصا مختلفا بشكل كامل عن الشخص الذي شاهده من قبل ، بل قد يصل الأمر بهذا الشخص المضطرب عقليا إلى أن ينسى انه قابل ذلك الضابط.
ويمكن القول : انه كلما اكتسب ضباط الشرطة معلومات أكثر عن الأمراض العقلية، ازداد معدل السلامة لديهم .
وعادة تقوم أجهزة الشرطة في الولايات المتحدة بتزويد أفرادها بالمعرفة المطلوبة حول الأمراض العصبية عن طريق تنفيذ برنامج فريق التدخل في الأزمات والمعروف باسم " نموذج ممفيس" وهو برنامج شامل يضم أجهزة فرض القانون وخبراء في الصحة العقلية وأفرادا من المجتمع والذي يهدف إلى خلق رد متكامل إزاء أية أزمة تتعلق بالصحة العقلية ، وقد أثبت هذا البرنامج فعاليته في المجتمعات التي تقوم بتطبيقه بالشكل السليم .
إن الأشخاص المضطربين عقليا ، هم جزء من المجتمع الذي أقسم رجال الشرطة على حمايته ، ولهذا ، فان الكيفية التي يتعامل بها ضباط الشرطة مع المرضى عقليا ، ستؤثر ليس فقط على الأفراد من ذوي الصلة بالموقف ، ولكن أيضا بشكل مباشر على التزام مواقف أي ضباط يتعاملون مع حالات مشابهة في المستقبل .