عمار كاظم محمديحق لنا بعد كل هذه السنوات أن ننعى إشارات المرور كما ننعى الموتى كونها سقطت كما يبدو مع سقوط الصنم ولم نعد نسمع أو نعترف بشيء اسمه اشارة المرور بعد عام 2003 . وحينما يمر العابر في طرق وشوارع بغداد المزدحمة يشاهد على التقاطعات بقايا لأشياء
غدت غير ذات معنى أو قيمة، هي أعمدة يخيل للناظر أنها ملت الانتظار الطويل فنامت يغطيها الغبار والإهمال، وربما نرى البعض منها قد تبرقع باللون الأصفر في بعض التقاطعات، لكن جوهر المشكلة الباقي لا يغير من الواقع شيئا، فقد ظلت هذه الاشارات تشتعل وتنطفئ دون أن يعبأ بها أحد. يقال دائما ان قياس مدى تقدم أي بلد من الناحية الحضارية، يبدأ دائما من احترام قوانين المرور ومن مدى تطبيق هذه القوانين، فالاشارة المرورية في معظم الدول هي قانون يجب احترامه ويعاقب المخالف على تجاوزه، حتى أنه قد تم في بعض هذه البلدان وضع كاميرات مراقبة تصور السيارات المتجاوزة على اشارات المرور. لكننا والحمد لله بفضل الازدحام الشديد ووجود نقاط التفتيش المزروعة في كل مكان، ومرور الارتال التعسفي في بعض الاحيان عكس اتجاه السير، وصراخ حمايات المسؤولين بوجوه الناس، جعل من عمود الاشارة المسكين ينسحب من الساحة تاركا المجال لكل من يريد قطع أو فتح الطريق حسب ما تقتضيه المصلحة، دون أن يعبأ أحد بالمواطن وانه بشر كباقي البشر، له الحق في أن يمر دون أن يعترضه المعترضون ودون أن توقفه نقطة تفتيش بعد ساعة من الانتظار ليقول له الجندي الواقف في النقطة "روح". ان إشارات المرور وضعت لتنظيم السير وليس لعرقلته، كما تفعل البعض من نقاط التفتيش، ولو أنه قد تم تفعيل العمل بها ومعاقبة من يخالفها لأصبحت لدينا في الأقل انسيابية في هذه الشوارع المزدحمة، ولحققت ولو جزءا بسيطا من العدالة التي ينشدها المواطن، بسبب التوزيع المزاجي لمرور السير لدى البعض من رجال المرور أحيانا، ولكان لدينا في الأقل مقياس بسيط لمدى احترام حمايات المسؤولين للقانون بوقوفهم بالتساوي مع المواطنين عند اشارة المرور. كان العذر عن الالتزام بقوانين المرور، عند من يهمه الأمر فيما مضى هو الوضع الأمني ومرور الارتال العسكرية الأمريكية على الدوام في الشوارع. وها نحن الآن نرى الكل يتحدث عن التحسن الحاصل في الحالة الأمنية، واختفاء الامريكان تقريبا من شوارع العاصمة، لذلك يحق لنا التساؤل عما اذا كان الوقت قد حان لأن نعود الى الحالة الطبيعية، التي تدور في شوارع اي مدينة في العالم من خلال احترامها قوانين المرور واعادة الحياة الى هذه الأعمدة التي ملت من طول الانتظار مثلما ملت من اضاءتها و انطفائها دون أن تحرك شيئا في الشارع . انها دعوة لأن نقف اليوم امام اشارة المرور حينما يضيء الأحمر فيها. وان نتهيأ في الأصفر وان ننطلق في الأخضر نحو هدفنا في عراق يتعاون فيه الجميع من أجل تطبيق القانون واعادة الحياة فيه الى الوضع الطبيعي كما هو الحال في كل بلاد الدنيا.
نافذة المواطن:ترفك لايت
نشر في: 27 أكتوبر, 2009: 05:04 م