TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > إنفلونزا الفوضى !

إنفلونزا الفوضى !

نشر في: 10 مارس, 2013: 08:00 م

لكل شيء في الحياة وجهان : وجه مضيء يشدنا إليه فلا نكاد نرى غيره ، ووجه أقل إضاءة نحاول أن نبعد أنظارنا عنه ونتفادى النظر إليه قدر الإمكان.

يصدق هذا على مجريات الحياة التي تبحر بنا من ضفة إلى أخرى في سفينة لا تطول أيدينا مجاديفها كي نستطيع التحكم في سرعتها ، ولا نملك الإمساك بدفتها كي نحدد اتجاهنا ونختار خط سيرنا لنلقي بحقائبنا في الميناء الذي نختار ، حيث تستقر أرواحنا على الأريكة التي نجد فيها راحتنا ، وننام على الجنب الذي تسكن إليه أبداننا ، ونغفو في الساعة التي تريد أعيننا ، ونصحو في الوقت الذي نشاء ، ونشرب من النبع الذي نهوى حتى نصل حد الارتواء .

أما البشر فحدث عنهم ولا حرج ، فهم وجوه كثيرة ربما يبدو من السهل تصنيفها ، لكن الأصعب من التصنيف ، هو أننا لا نستطيع معرفة هذه الوجوه على حقيقتها من النظرة الأولى أو الثانية ، وربما العاشرة أحيانا .

صحيح أن هناك من ليس له سوى وجه واحد لا يتغير من أي الجهات أتيته أو نظرت إليه ، لكن هذا الصنف من البشر نادر ، فهناك من له وجوه عدة تتغير حسب مقتضى الحال إلى الدرجة التي تغدو معها عملية حصر هذه الوجوه مهمة شبه مستحيلة ، أولئك هم الذين نشبههم بأخصائيي الأرصاد الجوية الذين يرصدون اتجاه الريح ودرجات سرعتها ، لكن الفرق بينهم وبين الأخصائيين أنهم لا يفعلون ذلك ليوافونا بحالة الطقس ، بل يرصدون اتجاهات الريح ليوجهوا دفتهم ناحيتها ، ميممين وجوههم شطر مصلحتهم التي يضعونها فوق كل اعتبار ، ويوجهونها وفقا لاتجاه الريح ودرجة قوتها .

وجوه تخدعك بطيبتها المصطنعة فتنخدع لها بطيبتك الفطرية ، هنا تكتشف أن ثمة فارقا كبيرا بين طيبة وطيبة ، تكتشف نوعا جديدا من الأقنعة متقنة الصنع لا يمكن اختراقها ، وتخرج من التجربة مثخنا بالجراح بعد أن تكون قد اكتسبت خبرة جديدة في فن التمييز بين الأصيل والمزيف لم تكن لتتعلمها دون ثمن ، لكن الثمن يكون باهظا أحيانا إلى الدرجة التي لا يمكنك تحمله فتكون الخسارة فادحة ، خسارة لا تستطيع تسجيلها مؤشرات أسواق المال ، لأنها خارج الحسابات والأرقام التي تسجلها شاشاتها ، خسارة لا يمكن تعويضها لأن أسهم البشر حين تهوي لا تعود إلى الارتفاع ثانية مهما ضخخنا فيها من أموال الدنيا أو حاولنا تصحيح أوضاعها .

لماذا من المفترض أن نتحدث عن هذه النماذج الشاذة ونترك النماذج الطبيعية التي لا تعرف الانحراف ؟ هل لأنها تستفزنا إلى الدرجة التي تجعلنا نبحث عنها كي نكشفها لمن لا يعرفها ؟

ربما ... وربما لأنها غادرت منطقة الشذوذ لتصبح هي القاعدة في زمن غادر مرحلة البراءة والشفافية إلى منطقة الزيف والاصطناع ، وانتقل من منطقة اليقين إلى منطقة الشك .

في خضم الفوضى التي تشهدها مفاهيمنا الاجتماعية تتداخل الألوان ويختلط الليل بالنهار فلا نعود نتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، وفي مثل هذه الظروف غير الحية يصبح من الواجب علينا أن نعلن حالة الطوارئ داخل نفوسنا كي لا تصيبها انفلونزا الفوضى ، ونفقد السيطرة عليها ، لأنه إذا جاز لنا أن نفقد الثقة بأخ أو قريب أو صديق أو زميل في العمل ، فلا يجوز لنا أن نفقد الثقة بأنفسنا ، وعندها فقط نحفظ لوجوهنا أشكالها الصحيحة ، ولنفوسنا جمالها الداخلي الذي نحرص على الاعتناء به مهما أجرت عوامل الزمن على وجوهنا من تغييرات وحفرت من أخاديد .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram