كثـُر الحديث في العقدين الأخيرين عن مصطلحي المركز والهامش، بسبب ما أشاعه منهج دريدا في التقويض، وبدا وكأن احلال الهامش مكان المركز هو ما يسعى اليه الجميع، أياً كان الهامش وأيا كان نوعه أو صفاته، إلا ان نوعاً من الهوامش، يبدو انه لا ينازع المركز او ال
كثـُر الحديث في العقدين الأخيرين عن مصطلحي المركز والهامش، بسبب ما أشاعه منهج دريدا في التقويض، وبدا وكأن احلال الهامش مكان المركز هو ما يسعى اليه الجميع، أياً كان الهامش وأيا كان نوعه أو صفاته، إلا ان نوعاً من الهوامش، يبدو انه لا ينازع المركز او المتن على مكانه، وأعني به هامش المؤتمرات والندوات العلمية أو الأدبية والفنية، فما يحدث على هامش هذه المؤتمرات يُعد جزءاً مكملاً لها ومفيداً جداً بسبب تلك اللقاءات بين الباحين والدارسين، وما يحدث بينهم من تعارف أو تبادل للتصانيف والمؤلفات، تجعل البحث يطلع على ما أنتجه البعض الآخر في عالم التأليف والمعرفة.
ولقد كان من ثمار الندوة العلمية عن بغداد والنقد، التي أُقيمت في اطار موضوع (بغداد عاصمة للثقافة العربية) ان نلتقي بزملاء وأصدقاء لنا من محافظات عراقية ومن جامعات عراقية كجامعة الموصل وجامعة البصرة وغيرهما، ولقد حملت معي الكثير من الكتب في القصة والشعر والسينما لأودعها مكتبتي المكتظة بالكتب الى درجة بات معها العثور على أي كتاب مطلوب، مهمة شاقة وصعبة.
على هامش الندوة التقيت بواحد من طلبتي في جامعة البصرة وكان من ألمع طلبة الدراسات العليا في اوائل التسعينيات ذلك هو الدكتور حامد الظالمي الذي يشغل الان رئاسة ادارة المكتبة المركزية في جامعة البصرة، ولقد فوجئت بالجهد العظيم والخطير الذي بذله ويبذله هذا الباحث في اعادة الحياة الى ما كتبه باحثون أفذاذ، بعضهم توفي من دون ان تُتاح له فرصة أن ينشر ابحاثه ونتاجاته العلمية - على قيمتها الكبيرة - في كتاب يفيد منه الباحثون والقراء، وكان من الأمور التي تؤلمني أو آلمتني في هذه الحياة ان يغادر زميلي وصديقي المرحوم د.ناصر حلاوي، من دون أن يترك كتاباً سوى مشاركته للصديق سعيد الغافي في ترجمة كتاب للناقد الروسي اوسبنسكي.
واذا بي أُفاجأ بكتاب ضخم يضم اثنين وثلاثين بحثاً بعنوان (دراسات نقدية وبلاغية- جدل التراث والمعاصرة) للدكتور ناصر حلاوي.
أطلق الدكتور الظالمي على مشروعه هذا تسمية اشتات عراقية، وصدر منها حتى الآن ستة كتب هي (محمد رضا الشبيبي ودراسته اللهجية) وعلي الشوك ودراساته اللغوية والتراثية و(المستشرق الفرنسي لويس ماسنيون واللغة العربية) و(ادوار يوحنا ودراساته في علم الصوت) كما ضم كتاباً عن (البصرة ذكرى مدينة) معلومات سياسية وجغرافية وتأريخية وأدبية عن البصرة، وأخبرني الظالمي انه يعد كتاباً الآن عن المرحوم د.أحمد النجدي الذي توفي ولم يترك كتاباً مطبوعاً سوى اطروحته في البحث العلمي عند العرب، وكتاب آخر عن فاضل عبد الواحد، صاحب سومر والملحمة والاسطورة وكتب أخرى في تأريخ العراق القديم، وقد أقعده المرض حالياً (نتمنى له الشفاء العاجل).
ما فعله الظالمي مثال للوفاء النادر لجيل من الأساتذة والباحثين أعطوا الكثير ولم يأخذوا إلا القليل القليل.
فألف شكر وألف تحية أتوجه بها الى هذا الباحث النبيل.