الرئيسية > أعمدة واراء > شعراء داخـل الشاشة

شعراء داخـل الشاشة

نشر في: 10 مارس, 2013: 08:00 م

ما الفرق، في التعرُّف على حياة الشاعر، بين قراءة قصائده وقراءة سيرته؟ وما الفرق بين هذين المصدرين وبين مصدر ثالث توفِّره السينما؟

هذه الفنون، القصيدة والسيرة والسينما، تختلف جوهرياً عن بعض، ولذا اعتقد أن الفرق كامنٌ في طبيعة كل واحد منها، القصيدة مرآة مهشمة لحياة الشاعر الداخلية، ولا تعكس صورته بموضوعية. على القارئ أن يلملم عبر شظاياها الصورةَ التي تسعى بصيرتُه إلى النظر إليها بفضول. كتابُ السيرة غير مؤتمن، ولكنه يمنح فرصاً رائعة للتعرف على كيان استثنائي، بالرغم من واقعية وجوده كإنسان، السينما تقودك مُرغماً إلى قلب المعترك، إلى قلب الدراما التي تهشِّم مرآة الشاعر الداخلية، وتملؤها بسمة التراجيديا.

تأملتُ ذلك وأنا أشاهد خمسة أفلام عن خمسة شعراء، أعرف نتاجهم حق المعرفة: أليوت، لوركا، دِلان توماس، تيدهيوزوغينسبيرغ، ومدار الأفلام لا يفلت من محور الحب الملتاع بفعل الخيبة. خمسة قلوب أحرقتها عاطفة أو غريزة حب متألق، سرعان ما يتحوَّل إلى رماد ما أن يتجسد في كيان حي، وكأن للشاعر ملاكاً للحب لا هوية أرضية له.

الشاعر الأمريكي أليوت يلتقي فيفيان سنةَ يقرر الإقامة في انكلترا عام 1915. حين يقرر الزواج منها يعترض الأب لأن الشعر لن يوفر ما يكفي لعائلة تنتسب لطبقة برجوازية، وحين يجتاز العقبة يكتشف أن فيفيان، وهي مأوى حبه، مُمتَحنة بعلل عقلية ونفسية لا شفاء منها. فيلم المخرج "بريان جيلبرت" ("توم وفيف" 1989) يُدخلنا في معراج الألم للشاعر الرقيق، الكتيم، داخل بيت الزوجية بالغ التعاسة حتى يُلجئه هذا لـ "لأرض الخراب"، وللكاثوليكية عن غير إرادة، آخر ما يتراءى لنا من أليوت في اللحظات الأخيرة من الفيلم وجهه المستسلم وراء قضبان حديدية لباب المصعد.

الشاعر الإنكليزي تيد هيوز ابن الجيل الثاني بعد أليوت، ولكن مسحة التراجيديا في تطلعه القلبي لا تختلف كثيراً. المخرجة كريستنهجَفز نوّعت على الحال بفيلم "سيلفيا" (2003) الذي يبدأ بلقاء الشاعرين الشابين في كمبرج في 1956، وزواجهما المتوثب على طريقة الخمسينيين والستينيين. هيوز لا يتمتع بوداعة أليوت ولا ببصيرته باتجاه الميتافيزيقا. بل هو سبّار غور في أسرار الطبيعة الجهمة. روح الحيوان المفعمة بالغرائز، هذه الروح تكتشف في سيليفيابلاث شاعرة، ولكن بطيات هستيرية تقود حياة العائلة إلى الهاوية، ثم إلى انتحارها عام 1963.

في عام 1922 يفد الشاب سلفادور دالي(18 عاماً) إلى مدريد، ليلتقي الشابين لوركا وبانويل. أعظم ثلاث مواهب اسبانية للشعر والرسم والسينما، ولكن التراجيديا لن تمهل لوركا الفرِح أبداً، تزرع في جسده وروحه حباً لدالي لا منفذ له. المخرج بول ماريسون يتوسع في هذا الحب على هواه، ويختار للفيلم (2008) عنوان لوحة لدالي "رماد قليل"، حيث يمضي الأخير قدماً باتجاه الشهرة والثروة، في حين يختنق الأول بلوعة الحب من طرف واحد، حتى تتلقفه رصاصات القتلة.

على الطرف النقيض يقدم لنا المخرج جون ميْبوري في فيلمه "حافة الحب" (2008) الشاعر الويلزي الماجن دِلان توماس، بين زوجته كيْتلِنماكنمارا والزوجين كِلِّك. عصبة لا تستيقظ من دوامة الخمرة وسط حمى الحرب العالمية الثانية. دِلان توماس يفتن زوجة صديقه الذي يغادر للحرب، ويزوّر شهادة ضده حين يعود. خمرة ورداءة تعانق موهبة شعرية لا تهدأ، دراما ثقيلة الظلال تقود الموهبة إلى موتها المبكر.

ثم يقتحم شاعر البيتز الأمريكي غينسبيرغ السينما عبر قصيدته "عواء" للمخرج روب أبستاين (2010) سيرة حياة جيل شعري برمته لم يُصغ أحد لعوائه إلا أبناؤه. ولم يصغوا هم عن نباهة تامة، فقد أنهكت آذانهم المخدرات وفورة اللذائذ الحسية والموت المبكر. فيلم لا يمنح ، شأن الأفلام الأخرى، ثقة بأن مسرات الانسان ومسرات الشعر يمكن أن يصحبا بعضاً، يداً بيد على جادة واحدة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تقارب طهران وواشنطن بوابة لحل أزمات العراق الاقتصادية

النساء يتحدن ضد تعديل الأحوال الشخصية والقضاء يتفاعل والمحكمة تحسم في أيار

عطلة رسمية للمسيحيين في 20 و21 نيسان

الأونروا: مخازننا فارغة والمجاعة تفتك بسكان غزة

كردستان تعطل الدوام غداً احتفالاً برأس السنة الإيزيدية

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

قناطر: العالم يتوحش .. المخالبُ في لحمنا

العمود الثامن: قوات سحل الشعب

"الحشد الشعبي"... شرعنة التشكيل بوظائف جديدة

كلاكيت: "ندم" وعودة الفيلم الجماهيري

الحاكم بمنظور إمام سلطة الحق

العمود الثامن: المتشائل

 علي حسين أعترف أنّ الكتابة اليومية تتطلب من صاحبها جهداً كبيراً، فصاحب النافذة اليومية مطلوب منه أن يُقدِّم شيئاً يتجاوز ما اطلعت عليه الناس في الأخبار، وشاهدته من خلال الفضائيات، فالعبور إلى جسر...
علي حسين

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

زهير الجزائري 2 بين القتال والهدنةً القصيرة تغيرت الحياة الاجتماعية. لقد قضى الناس أياماً طوالًا في الملاجئ. نساء ورجال حشروا في مكان ضيق. شبان لم يعرفوا السياسة و ما أرادوا أن يعرفوها انفصلوا عن...
زهير الجزائري

اشكالية السياسة والتعصب تحليل سيكولوجي

د. قاسم حسين صالح المفهوم الشائع عند العراقيين بمن فيهم الكثير من المثقفين ، ان المتدينين يكونون متعصبين والمثقفين متحررين وغير متعصبين ، فهل هذا صحيح ام فيه رأي آخر ؟ لنبدأ بتحديد المفهوم...
د.قاسم حسين صالح

باليت المدى: كرسي مكسور الساق

 ستار كاووش عندَ لقائي ببعض الناس أفاجئ ببعض التفاصيل الصغيرة التي تُشير الى نوع من الكسل واللامبالاة وعدم إيجاد الحلول حتى وأن كانت صغيرة. فرغم إنغماس أحدهم بتعديلِ صُوَرِهِ ببرامج الفوتو شوب كي...
ستار كاووش
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram