يكشف تكليف العاهل الأردني لرئيس الوزراء المستقيل الدكتور عبد الله النسور، بتشكيل الحكومة الجديدة، إعمالاً للاستحقاق الدستوري، عن مفارقة الاعتماد على النخب القديمة لقيادة استحقاقات المرحلة الجديدة، وإذا عدّ البعض أن تكليف النسور، جاء نتيجة المشاورات التي قادها رئيس الديوان الملكي مع الكتل البرلمانية، وأسفرت عن اختيار أغلبية ضئيلة من النواب للنسور، في مواجهة مجموعة اختارت نائبه في الحكومة المستقيلة وزير الداخلية عوض خليفات، فإن اللوم يقع على عجز المجلس النيابي الجديد، عن ضخ دماء جديدة في عروق السلطة التنفيذية، بعد مشاورات استمرت شهراً، كشف خلالها الكثير من النواب الجدد، عن أداء ضعيف ومتردد.
لم يكن تكليف النسور مفاجئاً، فالمعروف أنه يحظى بالرضا الكامل من القصر، وكان ذلك لافتاً بالثناء على شخصه في كتاب التكليف، الذي جاء "نظرياً" للتعبير عن التزام الملك برغبة الأغلبية النيابية، برغم أن الدستور يمنحه حق تشكيل الحكومات وإقالتها، المهم أن الملك دعا الرئيس الجديد القديم، للاستمرار في عملية الإصلاح الشامل، ووضع برنامج للنمو المستدام، وتعزيز سيادة القانون، والحفاظ على الأمن، ووضع التشريعات السياسية المؤدية للارتقاء بالعمل السياسي، ومحاربة الفساد، وضبط عجز الموازنة وتعزيز الاستقرار النقدي، ووضع برامج لمواجهة الفقر والبطالة وحماية المستهلك، ما يعني أن الرجل سيستمر رئيساً لاربع سنوات، رغم عدم الرضا الشعبي عن أداء حكومته الأولى.
حكومة النسور الأولى،التي لم تستمر أكثر من خمسة شهور، كانت قد اصطدمت مع الشارع، عندما حررت أسعار المشتقات النفطية، ما أدى إلى رفعها، فخرجت مئات المسيرات في الأردن، هتف عدد منها للمرة الأولى، منذ بدء الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح، والمستمر منذ عامين، بإسقاط النظام، وتحول بعضها إلى اشتباكات مع رجال الأمن، أسفرت عن مقتل مواطن ورجلي أمن، وجرح واعتقال المئات من المواطنين، وإصابة عشرات رجال الأمن بجروح، لكن الرجل تحلّى بالشجاعة، معلناً أنه وحده يتحمل المسؤولية عن القرار، الذي كرره مرتين بعد ذلك، باعتباره عملية إصلاحية لازمةً للاقتصاد، تتماشى مع متطلبات صندوق النقد الدولي، وهو يعلن اليوم مسبقاً عن رفع لأسعار الكهرباء سيتم بعد ثلاثة شهور.
الحركة الإسلامية التي قاطعت الانتخابات، عدّت كما هو متوقع، أن إعادة تكليف النسور تشير إلى عجز مطبخ القرار عن التغيير في المضمون والوجوه، وأنها إشارة واضحة، إلى عد وجود أي تغيير في الحياة السياسية، واتهمت البرلمان الجديد، بالفشل في إنتاج أغلبية برلمانية برامجية وسياسية، للتعامل مع المرحلة الجديدة، ودعت إلى الانتقال إلى طاولة حوار جاد، للخروج من حالة المراوحة، في حين عدّ آخرون، أن إعادة تكليف النسور تؤشر إلى عجز النخب السياسية عن خلق بدائل للوجوه الحالية، وعزت ذلك إلى نهج الحكم الذي أفقر البلاد سياسيا، فلم يعد لدى الدولة نخب جديدة قادرة على قيادة المرحلة، بعدما فشلت الرهانات على إنتاج قانون الانتخاب لوجوه سياسية جديدة، تحقق على الأقل مسار الإصلاح الرسمي الذي يقوده الحكم، وأن مجلس النواب لا يستطيع حمل أفكار الملك نحو الإصلاح.
حكومة الدكتور عبد الله النسور الجديدة، ستكون نسخة مكررة عن القديمة، وإن تغيرت فيها بعض الوجوه، وإن سبقتها مشاورات بدأها أمس مع مجلس النواب، فالسياسات الاقتصادية خصوصاً مقرة مسبقاً، والخارجية ستظل بيد الملك، وبما يؤكد أن الأردنيين ضيّعوا فرصة المشاركة الحقيقية في الحكم، بانتخابهم نواباً لا يعون تماماً وظيفتهم، ويفتشون فقط عن مصالحهم الشخصية، ولا يتحمل قانون الانتخابات، كما يروج البعض، هذه النتيجة، بقدر ما هي تعبير عن واقع المجتمع، وما على الأردنيين غير الانتظار أربع سنوات، في ظل حكومة النسور الجديدة القديمة.
الأردن.. حكومة جديدة قديمة
[post-views]
نشر في: 10 مارس, 2013: 08:00 م