كانت الكتب قبل ثمانين عاماً تخرج إلى العالم عارية من دون أغلفة ورقية، أو غطاء سميك يحمي حزم الأوراق التي ربطت بعضها ببعض من قبل المطبعة وقد طلب جورج برنارد شو ساخراً من ناشره أن يصدر بحثه عن فاجنر بحواشٍ براقة وربط الأوراق بإنزيم من الجلد.
وكان يعلم أن طلبه ذلك سيهمل وقد شهدت اعوام الثلاثينيات من القرن التاسع عشر ظهور أغلفة ورقية متحركة، والتي تم عرضها للرؤية فقط، كما حدث الأمر مع الحقائب الورقية. وكانت الكتب في تلك المرحلة تحاط بأغلفة ورقية لمجرد حفظها من الاتساخ، وما أن يشتريها شخص ما، حتى يتخلص من ذلك الغلاف الوقتي. ومع مرور الأعوام، غدا الغلاف أمراً ضرورياً للكتب وكانت في بادئ الأمر اعلانات تجارية رديئة، أما العنوان فيكتب في ظهر الغلاف او حاشيته. وأصبح الغلاف الجيد هو الذي يختصر ما جاء في المئات من صفحات الكتاب، من أجل الاعلان عنه وما يتضمنه مع صورة جذابة. أما اليوم وفي الأسواق المزدحمة، فإن الأغلفة هي الدروع التي تحمي الكتاب في معركتها للبقاء فالكاتب يؤلف الكتاب وعلى الآخرين تولي مهمة بيعه، والأسواق تقول أن القراء يشترون بل ويفضلون أحياناً تلك الأغلفة التي تجتذبهم أو تتملق أحاسيسهم، دون معرفة ما يتضمنه الكتاب في الداخل. كلمات الكتاب شيء خاص جداً، نسخة صامتة عما يدور في الذهن من أفكار والغلاف يمنحها وجهاً عاماً والغلاف يعرف الناشر، والوسيط الذي يربط بين الكتاب المنعزل المناجي نفسه مع الذين يستغرقون في أعماله. الأغلفة تؤسس ابداعاً مشتركاً، مثل العلامات المسجلة لدور النشر ودار نشر فيبر تحتفل بذكرى مرور 80 عاماً على تأسيسها، وفوضت جوزيف كونولي، بائع كتب من الدرجة الثانية سابقاً وأحد روائييها اليوم، لاختيار أفضل الأغلفة التي صممت من قبلها. وقد بدأ بحث كونولي مع الأغلفة التي تتميز بالزخرفة البالغة وانتهاء مع الأغلفة ذات التصميمات الحديثة التي تتميز بأسلوب مغاير.. واستعراض تلك الأغلفة، يعيد إلى البال كتب إزرا بوند وكتاب معروفين عديدين، وتنتهي بحنيف قريشي وكتابه(شيء أقوله لك). وبتصفح الأوراق نرقب العالم، وليس العالم الصغير للكتب ونشهد عبرها التغييرات في العالم وما حدث في خلال الأعوام الثمانين التي انصرمت وقد نشاهد الكتاب الواحد ذا أغلفة متعددة حسب الطبعات التي تصدر عنها ومن الأمثلة على ذلك رواية ويليام غولدينغ، (سيد الذباب)، والتي أعيد طبعها بعد حصوله على جائزة نوبل عام 1983 وفي كتابه عن الأغلفة يثني كونولي بشكل خاص على أكثر المصممين إبداعاً في دار نشر فيير وهو بيرثولد وولب، والذي تذكر أحرفه المنقوشة بأن الكتاب هو نتاج خط المؤلف، وليست أحرفاً طباعية أو الكترونية وقد احتفلت الدار غالباً بكتابها، مستعرضة الأعمال الأدبية وحاجتها إلى الظهور بطابع فني يتلاءم معها وقد سمحت الدار مرة لأحد الشعراء برسم غلاف كتابه، وهو الشاعر ديفيد جونز. أن للكتاب أصوات تسمع ولا ترى. وقد مرت فترة طويلة حتى تم الاعتراف بدار فيبر، ففي الثلاثينيات ظهرت مسرحيات لاودن وآشروود خالية أغلفتها إلاّ من العناوين وتقع على الكتب في الوقت الحاضر مهمة جذب القارئ ففي الطبعات الجديدة للاعمال الكاملة الشعرية والمسرحية لـ. ت.س. إليوت، ونجد صورته على الغلاف، مع أن نظرة عدم رضا تبدو في عينيه ولم يقتصر دور فيبر على تقديم الصور الشخصية للأدباء على أغلفتها، بل أنها خطت أوسع إلى اختراق حاجز الجنس الذي كان شبه ممنوع، والذي أصبح من النقاط التي تزيد المبيعات وللأغلفة دور كبير في ذلك. فهل يمكن الحكم على الكتاب من غلافه أم من خلال قراءته؟ الأمر متروك للقراء. عن: الصنداي تايمز
للكتاب أصوات تسمع ولا ترى
نشر في: 27 أكتوبر, 2009: 05:44 م