TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كاري "الحميري"

كاري "الحميري"

نشر في: 13 مارس, 2013: 09:01 م

بإمكان أي شخص الحصول على الكاري من أقرب بسطية تصادفه في الشوارع العامة ، وسابقا كان البغداديون يقصدون الشورجة لشراء الكاري والبهارات الأخرى ، وبعد أن تقطعت أوصال العاصمة ، وأصبح العبور من الكرخ  رحلة شاقة محفوفة بالمخاطر ، فرضت الظروف سطوتها على حركة المدينة ، فابتكر العاطلون عن العمل فكرة البسطيات  لخدمة الزبائن ، فخلصوهم من عناء تجشم رحلة السفر من البياع إلى الشواكة ثم عبور  جسر الشهداء متوجهين إلى محال العطارين في الشورجة للتزود بالكاري وبهارات الدولمة والبرياني والحبة السوداء التي يقال عنها إنها دواء لكل داء .
كاري "الحميري"  ينسب إلى رسام الكاريكاتير المعروف خضير الحميري ، وهو لم يعمل في استيراد البهارات من نوع المدراسي ، ولم يسافر إلى الهند،  ولم يستفد من شهادته العليا بعلم الاقتصاد ليكون احد رجال الأعمال ، لكنه تخصص برصد البيئة العراقية ،  وعندما كان يعمل في مجلة ألف باء "المنحلة " استحدث زاوية بعنوان كاري ...كاتير ، نقلها بعد ذلك إلى إحدى الصحف اليومية ، وعلى الرغم من مساحة الحرية المتاحة ، مازال الحميري يعيش هواجس الخوف ، فبعد تخلصه من الرقيب وتأويلاته ، ووصايا وتوجيهات رؤساء  تحرير عمل معهم منذ نهاية عقد السبعينات ، يشعر اليوم بأن مساحة الحرية تبدو ضيقة جدا ، لا ينفع معا الكاري أو الحبة السودة ، فرسام الكاريكاتير يشكل مصدر خطر لمن ادعى الورع وهو غارق حتى أذنيه باستيراد مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك البشري لحساب مؤسسة رسمية ، والتلميح لمثل هذا النموذج وغيره ، تناولتهم تخطيطات الحميري ، وغيره من رسامي الكاريكاتير ، وبعضهم يحتفظ بأعمال تبدو من وجهة نظرهم غير صالحة  للنشر،  ليس بسبب الرقيب الغائب،  وإنما لعوامل تتعلق باحتمال التعرض للملاحقة من أصحاب المعالي وصناع القرار،  وأتباعهم من محترفي استخدام الكاتم .
الحميري على الرغم من اعترافه واحترامه واعترافه بالحبة السوداء في الشفاء من كل داء  بإذن الله ورحمته الواسعة ، لم يستخدمها في أعماله ، لاعتقاده بأن  للكاري مفعولا ذا تأثير مباشر في الكشف عن أية "طركاعة "  وجدت في  الأرض العراقية البيئة المناسبة لنموها وتكاثرها،  فتحولت إلى غابة من "طراكيع " لها ملكها الخاص وحاشيتها وبلاطها المحرم على الآخرين دخوله ، إلا في حال مثول احدهم للقصاص أمام صاحب العرش على فعل شنيع ارتكبه ، فينال عقابه العادل قبل إبلاغ وصيته بتهمة أربعة إرهاب أو المشاركة في مخطط لتنفيذ انقلاب عسكري للإطاحة بالنظام،  وتقويض التجربة "الطراكيعية" شقيقة الديمقراطية بالرضاعة .
شعب البسطيات ابتكر هذا  الأسلوب في عرض البضائع لمعالجة مشكلة البطالة ، ولا سيما بين الشباب من خريجي الجامعات ، ونقل الابتكار إلى بعض دول الجوار  لتتعلم شعوبها مواجهة الفقر والحرمان بالصبر والمصابرة ، وتناول الحبة السوداء ، والتخلي عن الكاري بجميع أنواعه لأنه دخل في الفن المشاكس الكاريكاتير وأصبح  مصدرا لإثارة التساؤلات والمجسات وربما الاحتجاجات   بكاري الحميري .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram