فشلت في اكمال مقال اعمل على كتابته منذ يومين ويفترض ان يكون عنوانه "من سيصلي خلف الصدر؟" ويتولى عرض انطباعات وعدت القراء ان اسجلها عن لقاء مطول اتيح لي مع زعيم التيار الصدري. فالوقت يتقلص هذه الايام والمشاعر تلتهب بعد ان دخلنا "المرحلة الهليكوبترية" في العملية السياسية، وهي مرحلة قد لا تنفع معها اي صلاة في النجف او جامع ابي حنيفة.
فقبل يومين قلت ان المالكي يبدو أسرع من خصومه، فبينما يريدون تصميم حوار تهدئة، يتوقف هو عن ركوب الدبابة والهمر، ويتذكر انه اشترى عددا لا بأس به من المروحيات القتالية، فيستعين بها لمواجهة رافع العيساوي وينظم مطاردة لموكبه تشبه مطاردات السينما، على طريق الرطبة السريع، معلنا ان الحوار انتهى وان اطراف اللعبة صاروا يتفاهمون داخل "مرحلة هليكوبترية" تمزج العنف بالسرعة او الارتجال.
ان هذه الاسابيع شهدت واحدا من اكبر التدفقات الصحفية الاجنبية على العراق، فالجميع قادمون لاكتشاف ما حصل خلال الاعوام العشرة الماضية منذ سقوط صدام حسين. وهي اول مرة ألتقي فيها كل هذا العدد من صحفيي بلدان الغرب المتقدم، وهم يستفهمون عن ايران والعرب وامريكا والمالكي، محملين بتعميمات فضفاضة، ومتسلحين بذكاء ومرونة العقل الحديث.
وقد كانت تجربة مثيرة بالنسبة لي تعلمت منها اشياء وأشياء. لكن أول اعتراض سجلته على اسئلتهم، هو اننا لسنا أمام 10 اعوام بعد صدام، بل لدينا تسعة زائدا واحد. وهناك فرق بين الرقم 10 وعملية الجمع 9 زائد 1. اذ ان الاعوام التسعة كانت فترة تواجد امريكا هنا، اما سنة 2012 الماضية فكانت تعادل في خطورتها كل التسعة السالفة. انها سنة كنا خلالها مختبرا لما يمكن ان يحصل حين ينسحب الاجانب تاركين زعيما جرى فرضه بالقوة على شركائه، وتنقصه الحكمة، ومسلحا بمليارات النفط ومليون جندي.
تسألني الصحفية السويدية: هل كان مجيء امريكا الى العراق خطأ؟ فأقول لها ان اسقاط واشنطن لصدام واحد من اجمل اخطائها، فلولا هذا الخطأ لمكث الدكتاتور الفاشل مائة عام اخرى على قلوبنا.
تسألني ايضا: هل وجود المالكي بمواصفات نقص الحكمة، يمثل فشلا مستحدثا لامريكا؟ فأجيب، ان اخطاء المالكي ايضا منحتنا جميعا فرصة ان نتعلم ونقوم بتطوير افكارنا وطرق عملنا. لقد كانت اخطاؤه المتتالية، ورشة تدريب مجانية افدنا منها كثيرا.
يسألون باهتمام عن ايران ونفوذها، ويفترضون انها لا تزال صاحبة الكلمة الاقوى ويعجزون عن رؤية الزمن السياسي الذي يتغير ببطء لكن بنحو مؤثر.
فقبل 7 اعوام كان في وسع معظم الرغبات الايرانية ان تتحقق بجهد تساومي بسيط، اما اليوم فإن ايران حاولت شراء سلاح روسي بنحو 4 مليارات دولار من العراق، لكن تنسيقا بين قوى "اربيل نجف" فضح الفساد والنوايا والارتجالات ومنعها. كما حاولت ايران ان تجبر الصدر على الصمت وقبول المالكي "على عواهنه" فعجزت. وحاولت لي ذراع اكثر من طرف ففوجئت برد قوي.
ايران لم تعد هي نفسها، ولا تركيا ولا التدخلات العربية السابقة. وسنة 2012 اثبتت ان تطورا سياسيا مهما قد حصل وسمح بأن نفرز (بعد 9 سنوات زائدا 1) مسارين، احدهما يبشر بنظرية الرجل القوي، والثاني يعارض ويتمسك بشراكة مسؤولة. والطرفان دخلا لعبة شطرنج بلغنا منتصفها تقريبا. ورغم الالام التي يدفع ثمنها الشعب فإن عثورنا على طريقة لمنع ظهور الدكتاتور هو امر حاسم كي لا يأتي زعيم آخر ويسوقنا الى حرب مهزومة سلفا، ويترك جثثا لعقود مرمية في العراء من اجل ان نلبي نزواته في الزعامة.
اصدقاؤنا الغربيون لم يستوعبوا بعد تحولات تيار مؤثر مثل تيار الشباب الصدريين. كما لم يدركوا بشكل كاف ان كردستان لن تخضع لسياسة الفشل التي تخضع لها الرمادي والبصرة والحلة، وان من حقها ان تقوم بتحصين نفسها من قرارات المالكي غير المدروسة والمليئة بنقص الحكمة.
ان المالكي يشعر باختلال عاطفي، لانه يمارس ترويع شركائه بالدبابات والهليكوبترات وهم يتماسكون ولا يشعرون بالرعب. ويمارس تخويف الصحفيين بمختلف الاشكال الا انهم يبدون جرأة متزايدة. ولذلك يتملك السلطان شعور بأنه لم ينجح في اخافة الناس مثلما كان صدام حسين ينجح، والامر يغضبه كثيرا ويورطه في اخطاء 2013. وهذا ما يحسن بالغربيين التأمل فيه طويلا.
ان على اصدقائنا الغربيين ان يحسنوا قياس الزمن السياسي، كي لا يصابوا بالدهشة حين يرون كيف سيتبخر بسرعة، كل من يشتهي ان يبسط استبداده على عراق القرن الحادي والعشرين. وكي يصدقوا انه بات في وسعنا ان نلعب الشطرنج مع ايران وغيرها، وان امتلاك الجيش والمال لن يكفي لجعل المالكي يقوم بإخضاع اطراف التعدد السياسي في العراق. واخيرا فإن اللعبة لم تعد مجرد مشكلة بين الطوائف، بل داخل الطائفة نفسها تتعلق بفلسفة الحكم وبرفض ان يجري اخضاع الناس بالتخويف والرشى. لقد تغيرنا يا اصدقاء، ولم نعد مجرد شعب خائف يخضعه صدام، ولا بلدا معزولة يفعل فيها الدكتاتور ما يشاء. و"راح نشوف".
جميع التعليقات 7
المدقق
نعم ابها الكاتب الهمام سنرى الى ماذا ستؤول الامور . وسنرى كيف ينتصر الحق المتمثل بالمالكي ومن معه على الباطل المتمثل بالبعث والوهابية والسلفية والطائفيين وبعض الكتاب والصحفببن المدفوعي الاجر وبعض القنوات الفضائية الممولة من الخارج . وستتحطم كل المشاريع ال
علاء البياتي
عزيزي سرمد ..اعتقد انك تحلم ..المالكي وملايين الخاضعين المؤمنين بسياسة الانبطاح ستجعل منه ديكتاتورا بامتياز امريكي ومباركه ايرانيه..اتمنى لك ولزميلك عدنان حسين اعادة قراءة المشهد السياسي جيدا..لايوجد فرق بين زمن البعث وزمن الدعوة ..ان لم نثور على الظلم وا
مواطن
أخي الكاتب فيك الامل الشء الكثير وهذا جيد ولكن من الممكن الاستفاده من الخطأ الا نحن فلو كتبت عن الاخطاء منذ سقوط الدوله العباسيه ولحد الان لصنعت المئات من المجلدات,وهذا حالنا الان من الدول المتأخره نسبيأ عن الدول الاخرى والغنيه بمواردها الوطنيه(معادن + بش
اكرم حبيب
الاستاذ الطائي الاترى انك مفرط في التفأل وان الذمم في بلادي تباع بابخس الاثمان مازالت ايران اللاعب الاوحد والاقوى لان الشعب ليس شعبها وان احترق والارض ليست ارضها وان اجدبت مع احترامي
كاطع جواد
الشخصنة في السياسة وربط هذا الحدث او ذاك بقرار فردي يتخذه الحاكم لا يصمد لمدة طويلة لانه يمثل رغبات الحاكم وليس رغبات الشعب ..العراقيون ملوا الخطابات والكلمات الرنانه لا يهمهم من يحكم العراق سواء كان المالكي او غيره انهم ينظروا الى الأفعال لا الأقوال فربط
منصورة
اتمنى ان ياتي الصدريون لحكم العراق وسوف ترى ديمقراطيتهم ... انا اعرفهم انهم لايجيدون غير السباب والكلام البذي والقتل وغالبا مايسخرون من المالكي لاننه لايصفي خصومه بالقتل بل يعتمد القانون .. اما الاكراد فلا احد يعرف نواياهم ... العراقية باعت قضيتهها نكاي
مواطن
أيها المدقق لماذا أنت مصر على صناعة الابطال وقائد الضروره الاوحد في العالم والخ والخ والخ..