TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ما يطلبه الميّتون

ما يطلبه الميّتون

نشر في: 17 أكتوبر, 2012: 04:45 م

أهالي ناحية السلام في ميسان بدأوا عصياناً مدنياً أمس احتجاجاً على سوء الخدمات بحسب ما نقله موقع الفرات نيوز. وأحسب أن هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها منطقة عراقية إلى هذا الأسلوب في الاحتجاج، بعد أن ملّ العراقيون من الشكوى في وسائل الإعلام وفي الشوارع وفي بيوتهم ومع أنفسهم وأمام الله في صلواتهم ودعائهم.
ميسان تكاد تكون أغنى بقاع الأرض موارد طبيعية، مع ذلك فإن هذه المحافظة هي الأفقر على الإطلاق في هذا البلد الضاجّ بالفقراء السائرين على ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم، وإذا كانت الحكومة ترفع شعار الاضطراب الأمني حجة أبدية على انعدام الإعمار وغياب الخدمات فإن هذه المحافظة الوادعة هادئة أمنياً، وكان يمكن لها أن تكون فردوساً بعُشر أموال النفط الذي يخرج من أرضها، لكنّ حكومة اللصوص لها إستراتيجية أخرى.
إستراتيجية الساسة النهابين تتمثل في استثمار هذه الفترة المضطربة محلياً وإقليمياً واستغلال صبر العراقيين وخوفهم من عودة حرب طائفية، من أجل نهب ما يمكنهم نهبه قبل أن تعصف بهم عواصف يتوقعونها، ويمكن أن تأتي لهم من كل اتجاه.
الخبر القادم من ناحية السلام مفرح، لأنه يؤشر ـ لأول مرة ـ على اتفاق مئات من العراقيين على فكرة واحدة، فكرة غير مسوّقة إعلامياً، ولم تدفعهم لها الحكومة المستعدة للدفع لتأبيد سلطان زعيمها، ولم يستفتوا في اعتصامهم رجل دينٍ، بل كان باعثهم الوحيد هو الغضب الذي لا بدّ لكل إنسان أن يستشعره حين يرى أموالاً قدّر اللهُ أن تكون له فسرقها لصوص حاكمون باسم الله.
يحكمنا أناس قساة القلوب، غليظو الأرواح، مع أن أغلبهم من مدّعي التقوى والعبادة، ونحن نعرف أن التواصل مع الغيب بالصلاة والذكر يرقق الحجر، فمن أية مادة قدّت هذه القلوب؟
أمام هذه القسوة التي تميّز ساسة العراق الذين لا يأبهون لأصوات ناقدة ناقمة مهما كانت قوية لا بدّ من وقفات جماعية كهذه، وإذا حدث أن أصابت سائر مدن العراق عدوى ناحية السلام الميسانية، خاصة وأن هذه المناطق ليست بأحسن حالاً من "السلام"، فستجد هذه الحكومة الفاشلة نفسها أمام لحظة حساب حقيقية على ما بددته من أموال الأجيال العراقية.
وأنا أقرأ خبر ناحية السلام مرّ عليّ خبر مشابه من تونس: قطع محتجون في قرية العمران التابعة لولاية سيدي بوزيد الطريق على السيارات الحكومية احتجاجا على سوء الخدمات، فاعتقلت الشرطة بعضهم، فلم يكن من أهالي القرية إلا أن هددوا بانتحار جماعيّ إذا لم تفرج السلطات عن أبنائهم ولم تتحسن الأوضاع الخدمية في قريتهم.
هذا "الإجماع" ما ينبغي أن يحدث عندنا أيضاً، فطوال سنوات لم يحتشد أناس في العراق على موقف واحد إلا تحت شعار عقائدي برع أولو الأمر في استثماره واستثمار قوى المؤمنين به على أكمل وجه. ولعلّ في الأنباء الآتية من ناحية السلام ما يجعلنا نأمل في إصغاء العراقيين إلى هموم الناس الأحياء لا إلى ما يطلبه الميتون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

أسباب تخلف العالم العربي في العلوم والتكنولوجيا

العمود الثامن: لجنة المرأة تحارب النساء

بين المتطلبات الأكاديمية والتحديات المهنية تعقيدات تطبيق تعليمات الترقيات العلمية

العمود الثامن: كشكش يك في مجلس النواب

العمود الثامن: وزير يطارد المستقبل

العمود الثامن: تحت شعار: جئنا لنبقى!!

 علي حسين ما يجري على الساحة السياسية الآن يثيرُ شكوك وسخرية الناس بكائن هجين احتارت الناس ماذا تسميه، مؤتمر وطني، اجتماع وطني أم ورقة الإصلاح؟ المواطن يدرك انه كلما طرحت بادرة للتقارب بين...
علي حسين

كلاكيت: المخرجون عندما يقعون في غرام الأدب

 علاء المفرجي 8 -من هنا يمكن لنا رصد مستويين للرؤية: المستوى الاول هو مستوى سرد للاحداث والمستوى الثاني لحظة ولادة اوسكار مستوى معايشة الاحداث، الذاتي والموضوعي اذن هو اساس التحكم في جميع العلاقات...
علاء المفرجي

المعاهدة الروسية – الإيرانية: تؤسس لنقلة نوعية في علاقات البلدين

د. فالح الحمراني وقع الرئيسان فلاديمير بوتين ومسعود بيزشكيان اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران في 17 كانون الثاني في الكرملين. وجاء توقيع الاتفاقية نتيجة الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الإيراني إلى...
د. فالح الحمراني

عجائب الثورات.. قطاعو طرقٍ ولصُوصٌ

رشيد الخيون تجد كتب التَّاريخ ملأى بالغرائب والعجائب؛ تسمع بشخصية ذي مكانة في قيام ثورة مِن الثَّورات، أو دولة مِن الدُّول، وإذا به وصل إلى ما هو عليه، بعد إشقاء النّاس بقطعه الطّريق، واللصوصيَّة....
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram