حين انتهيت من قراءة رواية "دروب الفقدان" التي صدرت مؤخرا عن دار "المدى" للروائي عبد الله صخي، غفوت بارتياح. كنت قد حدست، بعد أن قرأت من سبقني للكتابة عنها واستمعت لما قاله صديق قرأها قبلي، بانها رواية حزينة. الغريب انها لم تكن كذلك بالنسبة لي، اذ خرجت منها فرحا. لم اخف عن نفسي استغرابي من فرحي. حاولت ان اجد لذلك جوابا مقنعا فلم أجد.
الرواية مكانها مدينتي الثورة التي أحب. زمنها، منتصف السبعينات مشيا حتى نهايتها. هو الزمن ذاته الذي عشته فيها حتى ان تراجع او تقدم خلال أحداث الرواية. الأبطال فيها كلهم أعرفهم. الشوارع التي مشوا عليها مشيتها معهم او قبلهم او بعدهم. وجوههم لا احتاج الى جهد لأستعيدها. اعرف نايف الساعدي وكاظمية محمد وبلقيس الخياطة وعلوان عزيز وسوادي حميد وزميلي، في مدرسة النجاح الابتدائية، فلاح درويش وبشار رشيد. آخر مرة شاهدت بها بشار قبل ان يُعدم كانت في مقهى عطا، على حافة قطاع 15، الذي يرتاده كل يوم تقريبا. هناك التقي مع مزعل الشمسي، يوم كنا ما نزال طلابا فيجالسنا بشار الذي لا يقبل ان ندفع ثمن استكان الشاي. نعاتبه لانه أغرقنا بكرمه كل يوم، فيرد علينا: عود من تتخرجون وتتعينون يصير الدفع عليكم. كل ما رواه عبد الله صخي عن علي سلمان ينطبق على مزعل حتى ظننته هو.
انها اول رواية اقرأها فتطير بي الى حيث كنت. من اول جملة فيها صرت هناك وبقيت حتى بعد ان اتممت قراءتها. فكيف تعرف انك في مدينة الثورة؟ تعرف ذلك:
• عندما تسمع مزعل يغني وهو يبتسم:
عجب للحين عندي دموع يارن
ولا بطل دمعهن دوم يارن
يعين الله دليلي حمل يارن
الدهر واطبك جفه احبابي عليه
• عندما تحزن لوحدك منزويا في مقهى ابو علي الدليمي، فيلمحك حسن زغير ويقطع عليك صفنة حزنك: ها خويـة شبيك؟
• عندما يأتيك يسر الازيرجاوي راكضا صوب بيتك ليخبرك ان لا تأتِ للمقهى لأن "الأمن" نصبوا كمينا هناك للقبض على كل من يحمل جريدة "طريق الشعب"، فتركض صوب بيت قيس قاسم لتخبره ان يتلف الجريدة وان لا يخرج من البيت.
• عندما تمر في شارع من شوارعها ولم يكن هناك عاشوراء او زيارة ولا مأتم، فيأتيك صوت الشيخ الوائلي من احد الشبابيك: "أمسه المسه يحسين وحدي". وبعد خطوات تسمع في بيت آخر صوت سورية حسين يصدح:
ربانه وتعبنه صاروا نصيب الغيـر
كلشي ما كسبنه، بس الهضم واللوم
نديمه يا يمه، كلشي ما كسبنه
• عندما تسمع أم هاني تدفع باستكان الشاي، الذي انتهت من شربه توا، نحو مديحة وهي تقول لها: "بالفرح".
أتكون "بالفرح" هذه هي التي أفرحتني؟ لا أدري. ام هل لأني كنت في مدينة الثورة ليلة البارحة؟ ربما. أم لأن الكاتب قد أبدع، والإبداع يُفرِح؟ جائز.
شكرا لك عبد الله صخي، فبفضلك نمت البارحة ليلة خالية من الهم.
كنت البارحة في مدينة الثـورة
[post-views]
نشر في: 15 مارس, 2013: 09:01 م