الديمقراطية الناضجة تنشىء شعوبا قوية تجعل من الحكومات خادمة لديها، تخاف منها الحكومات ولا تخاف هي من الحكومات. أما الدول التي لم تحقق الديمقراطية الناضجة، فإن شعوبها تتفاوت في درجات القوة والضعف.
ولو قارنا بين تونس والعراق لوجدنا أن شعب تونس أقوى تجاه السلطة من شعب العراق. وعلى سبيل المثال فإن حزب النهضة الفائز بالأغلبية في الانتخابات العامة اضطر تحت ضغط الشعب الى التنازل عن وزارات السيادة أو السلطة المتمثلة خصوصا بالدفاع والداخلية والعدل( والأخيرة عندهم تمثل السلطة القضائية). في حين ان رئيس الوزراء عندنا يجمع بين يديه وزارتي الدفاع والداخلية والمخابرات العامة، فضلا عن نفوذ قوي على القضاء والهيئات المستقلة. هذا المثل يعبر عن ضعف شديد في قوى الشعب العراقي.
وبالجملة يمكن القول أن هناك سبعة عوامل تتوقف عليها قوة أو ضعف الشعب، وهي:
- الجيش. لازالت القوات المسلحة غير مهنية، خاضعة لاستخدامات السلطة والسياسة، وبالتالي لا يمكن عدها قوة وطنية. والجيش عندما يتحول الى قوة وطنية يصبح من عوامل قوة الشعب، بل من أهم قواه الوطنية. فهو الظهير الأساسي لحماية الأمن القومي الذي يعني مجموع مصالح الشعب الكبرى.
- أجهزة العدالة الجنائية. أي الشرطة والقضاء. الأولى لازالت تمارس التعذيب المعمم. و"القضاء محطم" على حد تعبير التقرير العالمي لهيومن رايتس ووتش لعام 2013 . وهكذا فان الشعب من هذه الناحية منزوع القوة كليا، وأكثر من ذلك مروَّع من قواته الأمنية وقضائه.
- البرلمان. ان خلاصة التركيب المشوه لـ "العملية السياسية" والنفوذ الاقليمي على قواها الأساسية أفقدا البرلمان دوره الحيوي في الرقابة والتشريع. ما شكل عاملا مهما آخر من عوامل اضعاف الشعب.
- الاقتصاد. الثروة بيد السلطة والحكومة، بسبب الطابع الريعي للاقتصاد. الأمر الذي يعني ان الشعب لا يملك قوة اقتصادية يمكن أن تفرض نفسها على السلطة، وتساعد المجتمع ماديا ومعنويا.
- النقابات والاتحادات المهنية. الموجود منها ضعيف أو مسيطر عليه في الغالب من الحكومة، وهي جميعا بدون غطاء قانوني، لأن الحكومة عمدت الى تجميد تقديم مشروع قانون دعت الى تشريعه المادة 22 - ثالثا من الدستور. ومعروف ان النقابات واحدة من أهم وسائل الشعب لحماية مصالحه والمحافظة عليها وتنميتها.
- الاعلام الحر. ان الشعب الضعيف أو الفقير في الاقتصاد الحر هو بالتبعية محدود أو معدوم القدرة على انتاج اعلامه الحر القادر على تقديم خدمة الحقيقة وممارسة سلطة الرقابة. وهكذا فإن الاعلام العراقي في الغالب جزء من السياسة والحكومة، أو تابع لهذا الطرف أو ذاك من أطراف العملية السياسية.
- الانقسام الطائفي والعرقي. وهو من أخطر عوامل ضعف الدول، لأنه يضعها بين نزاع وصراع مهلكين. وعادة ما يكون الفساد صديقا حميما للساسة في البلدان المنقسمة. فالساسة يمكنهم تغطية فشلهم وانعدام مصداقيتهم أمام الجمهور بحرف اهتمامه من القضايا الرئيسية الى قضايا زائفة من خلال تأجيج المشاعر والأهواء الطائفية والعرقية. ونتيجة ذلك هي المزيد من انهاك الشعب وتفتيت قواه وإفقاده البوصلة.
إن مياها كثيرة جرت خلال الأعوام العشرة الماضية من عمر التغيير، انتقل خلالها البلد من جمهورية الصمت الى جمهورية الكلام، من تنويمة الشمولية الى تنويمة الطائفية، ومن المعلوم المميت الى المجهول المخيف. وبقي دمار البنى الأساسية لقوى الشعب هو القاسم المشترك بين العهدين.
ضعف الشعب
[post-views]
نشر في: 15 مارس, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 1
كاطع جواد
ما تعرض له العراق على يد صدام حسين من تغيب لأبسط حرياته فقد بلغ الخوف والرعب في زمنه الى حد ان المواطن العراقي يخشى على نفسه عندما يتحدث داخل بيته من ان ينقل ابنه ما يتفوه به ببراءة خارج المنزل وتحل على رب الاسرة المصيبة ..فقد كان الكلام محرما وحتى الهمس