الإثنين، 14 إبريل 2025

℃ 22
الرئيسية > أعمدة واراء > الاعلانات الانتخابية: تكشف التوجهات الثقافية والاجتماعية

الاعلانات الانتخابية: تكشف التوجهات الثقافية والاجتماعية

نشر في: 16 مارس, 2013: 09:01 م

تعكس  الاعلانات الانتخابية في بلدان العالم   ثقافة المرشحين والاتجاهات المجتمعية والثقافية  السائدة ، و تكشف  عن الخطط المستقبلية للقوى المتنافسة وبرامجها   لتطوير المجتمع  وتحديد السياسات الاقتصادية والثقافية والعلمية ومعالجة  قضايا  النساء والأطفال والصحة والتعليم .
كنت في باريس اثناء الانتخابات الفرنسية واشتدت المنافسة بين الاحزاب اليمينية والاشتراكيين  والحزب الشيوعي في المناظرات  المتلفزة  وبقي الترويج بالملصقات  محصورا في مواقع محددة من فضاءات المدينة ، فهناك  لوحات اعلانات  عند نواصي  الشوارع  ومثلها عند مداخل محطات المترو – تتسع لصور  المتنافسين  فيتجاور اليميني المتطرف مع الاشتراكي على اللوحة  وكانت  صور المرشحين والمرشحات غاية في أناقة  التصميم  وبساطته  وذكائه و تولته  مؤسسات اعلان  احترافية يشرف عليها فنانون  متخصصون ، وكانت  الملصقات   ببساطتها  وصغرها تكشف  عن أبعاد شخصية المرشحة أو المرشح  من قوة  نظرته وملامحه واتزانه وثقافته وتوصيف  برنامجه بعبارات برقية  موجزة ، ولم يكن  بوسع رئيس الجمهورية نفسه  أو رئيس الحزب الحاكم ان يضع دعايته على أعمدة النور  أو مداخل المباني فيشوِّه  الفضاء العام لمدينة هي ملك  جميع المواطنين والتجاوز عليها  انتهاك  لحقوق وحريات البشر.
 أما عندنا  فقد أعلنت الحرب  الدعائية بضراوة ليس عبر البرامج  المستقبلية  الجريئة التي يعلنها  المرشحون كإيجاد حلول لتشرد الاطفال وتسوّل النساء وبطالة الشباب ، بل في الاعتداء على الفضاءات العامة واحتلالها ، حرب تدار  ببدائية  ولا تعبأ بحاجات الجماهير الحقيقية  وتجري معاركها في شوارع وساحات المدن  وفوق الجسور وأعمدة الكهرباء  والأفق الذي كان ولا يزال  ضحية   لدخان العوادم وصور العمائم  والمنشورات الطائفية .
 تُرى  كيف يقتنع  الناخبون بهذا  الأداء  الذي  يستخف بعقولهم و ذائقتهم   و يستعطف  اصواتهم  بشعارات  دينية او عشائرية  من اجل  الفوز بأصواتهم   فينفق بعض المرشحين بسخاء قبلي استعراضي  لإغراء  الناخبين فيقيم المآدب ويقدم الهدايا والأموال  - ويقصفهم بإعلانات  و ملصقات بشعة  يُثير  بعضها  النفور   والسخرية بدل اقناعهم ببرامج  تحسّن  حياتهم ، وتعزى بشاعة الاعلانات وفوضاها  عندنا  أنها تمتثل  لرغبات  المرشحين الذين  يفرضون ذائقتهم  ومواقفهم  الاجتماعية  على الاعلان، فالمرشحة اللامرئية  تضع صورة زوجها  لتعرِّف نفسها  بوليّ امرها وتثبت إمحاء وجودها وتدني  موقعها الاجتماعي  فهي لا تملك من أمرها شيئاً ، مجرد أنثى  قاصرة في نظر نفسها فكيف يولي الناخب ثقته بمن لا تثق بشخصيتها وتثبت تبعيتها  علانية للآخر ؟ و كيف يصدق  أنها ستدافع عن حقوق ناخبيها وناخباتها وتنجز وعودها الانتخابية ؟ كيف للمواطن الطامح الى العدالة  والخدمات  وحماية  الحريات  الشخصية وتطوير التعليم   و إعمار المدن  وبناء المدارس؟ وكيف له أن يثق  بشبح  امرأة منقوصة الأهلية  تضع  صورة رجل  لأنها  ترى نفسها عورة معيبة ؟!
 اعلانات انتخابات مجالس المحافظات التي غزت العراق كشفت  عن مظاهر تصلح كمؤشرات لدراسة الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية لبعض الطامحين والطامحات الى الشهرة  السياسية والثراء  العاجل من دون برامج معلنة ، كما كشفت عن استمرار هيمنة ثقافة  الاستقطابات  الدينية والعشائرية  والطائفية التي  تستخدم  فيها  وسائل الرشوة  والتهديد والفتوى فنزول قائمة نسوية في  البصرة له دلالات متناقضة  فقد عــدَّه البعض  رداً على الإقصاء الدائم الذي تتعرض له النساء على الصعيد  السياسي المتزمت،  إنما بتفحص موضوعي   يمكننا  عــدّه تكريساً للفصل الحاد بين الرجال والنساء  في مجتمع تتراجع فيه مكانة المرأة وتعزل عن  الفضاء الإجتماعي  تحت ضغوط  أيدلوجيات الحظر والتحريم بينما نتوق جميعا  لظهور المرأة بكامل قوتها وكفاءتها  كشريكة في اتخاذ القرار  وتقاسم المسؤولية  من دون انصياع  لثقافة الوصاية الذكورية عليها ، لعل مجتمعنا يشفى من عوقه الفادح.  

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تسجيل حالات تسمم بعد تناول "لفات برگر" في ميسان

الخزانة الأميركية تفرض عقوبات على أفغان يساعدون الحوثيين

الإطاحة بعصابة خطرة لتجارة المخدرات والنصب والاحتيال في بغداد

زلزال قوي يضرب سواحل اليابان

إدارة ترامب تبحث عن دول بديلة لترحيل المهاجرين

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: السعادة على توقيت الإمارات

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجزعن مواجهة واقع يسير بنا إلى...
علي حسين

كلاكيت: عن (السينمائي) وعبد العليم البناء

 علاء المفرجي علاقتي مع (السينمائي) لها حكاية، تبدأ من اختياري لها لكتابة عمودي (كلاكيت) منذ عددها الأول، ولا تنتهي بعددها الأخير. ولئن (السينمائي) تحتفل بعشريتها الأولى، كان لزاما عليّ أن أحتفل معها بهذا...
علاء المفرجي

تركيا تواجه التحول الجيوسياسي الناجم عن عودة دونالد ترامب إلى السلطة

جان ماركو ترجمة: عدوية الهلالي في الأسابيع الأخيرة، ومع ظهور الديناميكيات الجديدة للجغرافيا السياسية لترامب، تركز الاهتمام إلى حد كبير على اللاعبين الرئيسيين في الساحة الدولية، بدلاً من التركيز على دول الطرف الثالث التي...
جان ماركو

منطق القوة وقوة المنطق.. أين يتجه صراع طهران وواشنطن؟

محمد علي الحيدري يبدو أن ملف التفاوض بين إيران والولايات المتحدة دخل مرحلة جديدة من التعقيد، ليس بسبب طبيعة الخلافات القديمة، بل نتيجة تبدّل ميزان القوى الإقليمي والدولي، الذي بات يفرض مقاربة مختلفة عن...
محمد علي الحيدري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram