بالوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواح الشهداء بدأت أعماله وبالدموع والعبرات اختتمت في أربيل،أمس السبت، فعاليات المؤتمر الدولي للتعريف بالإبادة الجماعية الذي عقد في الذكرى الــ 25 لقصف مدينة حلبجة الكردية بالأسلحة الكيمياوية من قبل النظام السابق ،و
بالوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواح الشهداء بدأت أعماله وبالدموع والعبرات اختتمت في أربيل،أمس السبت، فعاليات المؤتمر الدولي للتعريف بالإبادة الجماعية الذي عقد في الذكرى الــ 25 لقصف مدينة حلبجة الكردية بالأسلحة الكيمياوية من قبل النظام السابق ،وسجل المؤتمر حضوراً محلياً وعربياً متميزاً ممثلاً برئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني و نائب رئيس مجلس الوزراء الدكتور روز نوري شاويس ووزير شؤون الشهداء والمؤنفلين في حكومة إقليم كردستان آرام أحمد وهوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي ومحمد شياع السوداني وزير حقوق الإنسان العراقي إضافة إلى أكثـر من 200 شخصية عالمية من السياسيين، بينهم وزير الخارجية الفرنسية السابق برنارد كوشنر والرئيس الكمبودي و عدد كبير من الشخصيات العالمية، إلى جانب أكثـر من 150 شخصية عربية وأخرى عراقية وعدد كبير من الناشطين وممثلي منظمات المجتمع المدني.
مخطّط إبادة
رئيس الإقليم مسعود بارزاني شدد خلال كلمته التي ألقاها في افتتاح أعمال المؤتمر على أن عمليات الأنفال التي استهدفت الشعب الكردي ومن خلال تتبع سيرها يظهر أنها لم تكن عمليات عسكرية عادية وقت الحرب بل إنها عمليات منظمة ومخطط لها لإبادة شعب كامل ، مضيفاً إنها لم تبدأ في عام 1988 بل بلغت ذروتها في هذا العام وخلفت 182 ألف ضحية، مذكراً بأن هذه العمليات بدأت عام 1975 بترحيل وتهجير وتعريب الكرد وبعدها بتغييب 12 ألف كردي فيلي و8 آلاف بارزاني و هدم أكثر من 4500 قرية.
وأكد بارزاني أن من بين كل الضحايا المغيبين فإنهم لم يسترجعوا إلا رفات ثلاثة آلاف ضحية ، مطالباً بتكثيف الجهود المحلية والدولية للعثور على رفات باقي الضحايا والعمل على التعريف بهذه العمليات كإبادة جماعية (جينوسايد) على المستوى العالمي وبشكل قانوني، موضحاً أن عمليات الأنفال كانت مؤلمة و كبيرة وأيقظت العالم لوضع حد للسياسات الدكتاتورية في العراق ، متمنياً أن تستمر السياسات الدولية الرامية لقطع دابر الدكتاتوريات كي يعيش العالم في أمان وسلام.
ونبه رئيس الإقليم إلى أن الشعب الكردي بعد انتصاره وتحقيق حريته في انتفاضة عام 1991 لم يذهب نحو عمليات الثأر والانتقام وقام باستضافة العسكريين المتواجدين على أرضه وقام بإرجاعهم إلى ذويهم، معرباً عن فخره لكونه ينتمي إلى مثل هذا الشعب الذي يتبنى ثقافة التسامح وقبول الآخر.
وطالب بارزاني الحكومة العراقية والبرلمان بتعويض الشعب الكردي عما لحق به، مضيفاً بأن المسؤولية الأخلاقية والقانونية تقع أيضا على جميع الدول الأجنبية وشركاتها التي ساهمت بوقوع هذه الجرائم من خلال تزويد النظام السابق بالأسلحة التي قتل بها فقط في حلبجة أكثر من خمسة آلاف شخص في دقائق بعد قصفها بالأسلحة الكيمياوية.
وشدد على أن زمن تكرار الأنفال والغدر بالشعب الكردي قد ولى ولا أحد يستطيع استهداف الكرد بعد اليوم ، هل هناك من يتوقع منا إلا يكون قرارنا بأيدينا ونحن قد قدمنا كل الدماء والتضحيات لأجل العيش بحرية ؟
إدانة بالإجماع
أجمع الحاضرون في المؤتمر على إدانة أعمال الإبادة التي تعرض لها الكرد في زمن النظام السابق ،حيث أكد وزير الخارجية الفرنسي السابق بيرنارد كوشنير أنه شخصياً يشعر بالخجل والعار عندما يسمع في أوروبا يقولون بأن هذه القضية هي قضية داخلية، مشيراً إلى أنه لا يحق لأحد أو أي رئيس أن يقتل شعبه.
وأضاف كوشنير : رأينا بأم أعيننا ما حدث في حلبجة عندما ذهبنا هناك لمعالجة ضحايا تلك الكارثة. والآن فقد حان الأوان لمتابعة جميع الأدلة. وليس لي أية شكوك بأن تلك الجريمة كانت إبادة جماعية، وكان من واجب المجتمع الدولي حماية الشعب الكردي في العراق وكان علينا تشكيل مجلس خاص داخل الأمم المتحدة لبحث قضية حلبجة بعد ضربها بالأسلحة الكيمياوية.
من جهته قال محافظ أربيل نوزاد هادي إن الهدف من المؤتمر التعريف بما حدث لشعب كردستان من إبادة جماعية تعرض لها شعب خلال سنوات الثمانينات، واستخدام الأسلحة الكيماوية ضده من قبل النظام السابق ، مضيفاً بأن من واجبنا التعريف بهذه الكارثة الحقيقية، التي مورست ضد الشعب الكردي في عملية إبادة جماعية، وهو ماذهب إليه وزير حقوق الإنسان محمد شياع السوداني، فقد أوضح أن الهدف من وراء هذه المؤتمرات دعوة المجتمع الدولي والمنظمات الدولية للاعتراف بمسؤولية النظام الدكتاتوري السابق عن الجرائم والانتهاكات وبضمنها جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد الشعب الكردي.
إلى ذلك أعرب آرام أحمد وزير شؤون الشهداء والمؤنفلين في حكومة الإقليم عن أسفه لأن ضمير العالم كان صامتاً عند وقوع هذه الجرائم وكان لهذا الصمت تأثير كبير علينا وكان جرحا إضافيا لنا ، مبيناً أن هناك بعض الأطراف لا تريد إلى الآن أن تعترف بهذه الإبادة الجماعية ،ولهذا نحاول أن يعرف المجتمع الدولي هذه الجرائم كي لا تتكرر مرة أخرى، فيما عد الباحث العراقي عبد الحسين شعبان المؤتمر خطوة مهمة نحو الوصول إلى إجماع دولي لتعريف عمليات الإبادة الجماعية، مستذكرا سكوت العالم على هذه العمليات أيام النظام العراقي السابق ، ومنوهاً إلى انه وبالرغم من أن الجريمة هزّت الضمير الإنساني على نحو مروّع، إلا أنها من جهة أخرى لم تلقَ الإدانة المطلوبة على الصعيد الدولي .
جينوسايد
مصطلح تردد بصورة كثيرة جداً في مؤتمر أربيل، وهو باختصار مفهوم يعني القتل الجماعي أو الإبادة الجماعية لشعب وقلعه من جذوره من مختلف النواحي، كما أنها تعني التطهير العرقي والفناء الجماعي.
وحملت الجلسة الأولى للمؤتمر عنوان التحديات السياسية و الضرورات لتعريف جينوسايد كرد العراق بالعالم، وفيها تحدث عضو البرلمان البريطاني نديم الزهاوي عن المحاولات المبذولة للتعريف بالإبادة الجماعية وان المحاولات أثمرت عن مناقشتها داخل البرلمان البريطاني في جلسة عقدت بنهاية شهر شباط الماضي.
وفي ذات السياق جاءت الكلمات والبحوث المقدمة من نواب أوروبيين ،حيث كشف النائب في البرلمان البريطاني روبرت هالفي عن تكوين مجموعة ضغط من اجل تعريف المجتمع الدولي بالجينوسايد للشعب الكردي ، وهو ما أشار إليه أيضا نائب رئيس البرلمان النرويجي أشتر جودري الذي تحدث عن المحاولات الجارية بهذا الخصوص داخل البرلمان النرويجي ، في حين قدم النائب الهولندي فان بومبل بحثاً يدعو للحصول على الاعتراف السياسي بخصوص ذات الموضوع .
كما اشتملت فقرات المؤتمر على عرض فيلم وثائقي لمخرج إنكليزي يتحدث عن أحد الناجين من عمليات الأنفال إضافة إلى فعاليات فنية أخرى أظهرت حجم المأساة التي عاناها الشعب الكردي في ظل عمليات الأنفال سيئة الصيت .
دمعة على حلبجة
وتضمنت فعاليات مؤتمر التعريف بالإبادة الجماعية مجموعة زيارات قام بها المشاركون ،كانت الأولى نصب الشهداء في أربيل ووضع أكاليل من الزهور هناك وكذلك مدينة حلبجة في السليمانية التي شهدت احتفالاً ضخما لاستذكار الكارثة التي حلت بالمدينة وتمت أيضا زيارة نصب المدينة الذي يحتوي العديد من الشواهد على المجزرة التي ارتكبت فيها ، ومنها معرض متكامل لصور ضرب المدينة بالغازات السامة إضافة إلى مقتنيات أخرى منوعه تعود لشهداء المدينة الذين قضوا في تلك الفاجعة ، وبدت على الضيوف علامات التأثر والحزن الشديدين وهم يستمعون لوصف الفظائع التي ارتكبت في المدينة وحجم الخسائر البشرية فيها، فيما لم يتمالك العديد من الزائرين السيطرة على دمعة حزن سقطت استذكاراً لهذه المأساة البشرية .
ومن هؤلاء الذين بدت علامات التأثر واضحة عليهم الكاتب والإعلامي عدنان الحاج الذي دعا الحكومة المركزية إلى استذكار فاجعة حلبجة وإعلان الحداد الرسمي على أرواح الشهداء الكرد في ذكراها السنوية وأن يتم العمل بصورة أكبر للتعريف بهذه المذبحة التي ذهب ضحيتها عدد كبير من النساء والأطفال ، مبيناً أن صورة الطفل الرضيع المختنق بالغاز سببت له ألماً كبيراً وحزناً أكبر ولا يمكنه أن ينساها لأنها من الصور القليلة التي أجبرت دموعه على التساقط بغزارة.
شهادات
ويحدثنا كاكه سرتيب حمه وهو من شهود مأساة حلبجة أن آثار ضرب المدينة بالغاز باقية إلى اليوم ،وهناك عشرات التقارير الطبية الصادرة من جهات محلية ودولية تؤشر لانتشار أمراض عديدة ،منها سرطان الجلد والثدي والجهاز التنفسي وحالات الربو والإجهاض والعقم والتشوهات الخلقية، وكلها ناجمة عن التعرض للغازات السامة وأن عدد المصابين بها لا يزال مرتفعاً .
وعن ذكرياته فإن حمه يحتفظ بالعديد منها ويتألم كثيراً حين يحاول استعادتها ولكنه يحتفظ في ذهنه بصورة العروس البالغة من العمر 19 سنة والمتزوجة حديثاً حين ضربت المدينة بالغازات الكيمياوية سنة 1988 وقبلها بأيام اعتقل زوجها مع مجموعة من الشباب الكرد لتبقى وحيدة تواجه مصيراً أكثر قسوة من مصير زوجها الذي لم تعرف له خبراً منذ ذلك اليوم ، ويضيف حمه بأن هذه الفتاة نجت من قصف حلبجة ولكنها خرجت بعاهات صحية لا عد لها ولا حصر بالرغم من معالجتها في ما بعد في عدد من أرقى المستشفيات الأوروبية .
ويتذكر حمه جيداً يوم 16/3/1988 وكان في وقتها قريباً من المدينة التي حامت الطائرات في سمائها لبعض الوقت قبل أن تبدأ بإلقاء حمولتها من الغازات السامة التي سرعان ما غيرت لون السماء الأزرق إلى مجموعة ألوان مصحوبة بروائح كريهة وتعالت بعدها صرخات الاستنجاد وسادت حركة هرج كبيرة في المدينة بحثاً عن مخرج تصل إليه الضحية قبل أن يتشبع جسدها بالآثار المميتة للغازات الكيمائية ولكن أغلبهم لم يفلحوا في الخروج خارج المدينة .
ويبين حمه أنه ومجموعة من الرجال دخلوا المدينة بعد فترة ووجدوا شوارعها تغص بجثث الرجال والنساء والأطفال وبعلامات مختلفة ،فمنهم من أصبح لونه جسده مائلاً إلى الأزرق مع خروج بؤبؤ العين وآخرون انتفخوا بشكل غريب إضافة إلى عدد من الجثث بدت عليها علامات الحروق على الأطراف .
مراحل الأنفال
جرت العمليات المذكورة خلال سنة 1988 وسارت على شكل ست مراحل، الأولى منها ابتدأت بالهجوم على منطقة سركلو وبركلو، وقد استغرقت هذه المرحلة 3 أسابيع ، فيما بدأت المرحلة الثانية بالهجوم على منطقة قره داغ واستمرت هذه العملية من 22 آذار إلى 30 آذار، والثالثة تمثلت بالهجوم على منطقة كرميان في محافظة كركوك، أما الرابعة فكانت بالهجوم على منطقة حوض الزاب الصغير، والخامسة تمثلت في الهجوم على المناطق الجبلية في أربيل وجرى تدمير القرى هناك وابتدأت المرحلة السادسة في 25 من شهر آب سنة 1988 وقد شملت منطقة بهدنان، واستمرت هذه العملية حتى 6 من أيلول للسنة ذاتها وتمخضت المراحل بمجملها عن قتل آلاف من المواطنين وتدمير عدد كبير من قراهم ،إضافة إلى ترحيل عدد هائل من المواطنين الكرد إلى مناطق بعيدة في محافظات بعيدة عن كردستان .
اعترافات دوليّة
قبل الختام لابد أن ندرك بأن الجهود الكردية المبذولة للتعريف دولياً بالإبادة التي تعرضوا لها حصدت أولى ثمارها في عام 2008 حين أقر البرلمان العراقي بأن عمليات الأنفال هي جريمة إبادة بشرية ضد الشعب الكردي وأصدر قرارا بهذا الشأن ، وأعقبتها حملة منظمة استمرت لأكثر من عام وجمعت فيها التواقيع من أجل دعوة بريطانيا للاعتراف رسمياً بالعمليات على أنها إبادة جماعية وهو ماحصل في ما بعد واعترف البرلمان البريطاني وأعقبه برلمان السويد الذي أعلن في شهر كانون الأول من السنة الماضية عن تعريف الجرائم التي تعرض لها الشعب الكردي في إطار عمليات الأنفال بالإبادة الجماعية، في حين يشير المراقبون إلى وجود مؤشرات تدل على أن البرلمان الهولندي سيقدم على الخطوة ذاتها ،ومن المحتمل أن تلحق بهم برلمانات أخرى في العالم طالماً أن هذا الأمر هو حق ووراءه مطالب يعمل على استحصاله بعمل وجهد لا يعرفان الكلل أو الملل.
جميع التعليقات 1
نبيل
معروف ان خلبجة قد تم قصفها بالخطأ كان متوقع هجوم ايراني بمساعدة البشماركة بعد هزيمتهم قي الجنوب