الجيل السابق من أهالي منطقة الكاظمية يعرفون عطوان بوصفه أشهر "مطيرجي" في بغداد، وكان يحصل على دخله من فوزه بمراهنات يخوضها مع نظرائه "المطيرجية" الآخرين ، وقاعدة اللعبة تحتم على المشاركين أن ينقلوا حمام الزاجل إلى أبعد منطقة في الجنوب ، والفائز من يصل طيره أولاً إلى برج صاحبه في سطح داره قبل الطيور الأخرى ، وهذه اللعبة مازالت تمارس على نطاق ضيق ، مقارنة بسنوات سابقة عندما كان عطوان، يتخذ من أحد تخوت "الجنباز" وهو المقهى المخصص لأصحاب هذا الكار ركنا بارزا لإسداء النصائح والإرشادات للهواة والمحترفين والمغامرين في خوض مراهنات سباق حمام الزاجل .
من تخت الجمباز في منطقة النعشخانة أطلق عطوان "نظريته السلمية" بمنع استخدام الأساليب الجائرة في صيد الحمام الزاجل ، لأن هذا النوع نادر جدا والحفاظ عليه مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الجميع ممن يتعاطى هذه الهواية ، وجعلها مصدرا لرزقه .نظرية عطوان انطلقت بعد أن عرف بأن هناك من يستخدم أساليب تخترق القواعد في الاستحواذ على طيور غيره ، والقاعدة المعتمدة تتمثل بخطف الطير المطلوب واستدراجه إلى برج مطيرجي من سكنة منطقة بعيدة ، ولا اعتراض على هذا الأسلوب في الاستحواذ على الأنواع النادرة من الطيور لأنه شرعي متعارف عليه ، وخاضع للمساومات والصفقات في حال طلب أو رغبة صاحب الطير المختطف بالاحتفاظ به ، وعادة ما تتم الصفقة في الجنباز ، بالتراضي وبروح رياضية يتلقى الفائز التهاني من الخاسر مع إصرار وتأكيد الطرفين على استمرار حرب الاستحواذ على الحمام شريطة التمسك بقواعد وأصول تلك الحرب .
اختراق بعض المطيرجية القواعد والأصول على طيور زملائهم بأساليب مبتكرة تعتمد الحيلة ، وأحيانا السطو، دفعت عطوان إلى أن يرسل مبعوثين إلى منافسيه ، حملوا رسالته إليهم وكانت تتضمن المطالبة بإبعاد الطارئين والمندسين ، لغرض احترام قواعد وأصول اللعبة ، البعض استجاب لنظرية عطوان السلمية ، لاعتقاده بأن مصدر رزقهم من المراهنات بات مهددا لأن "الزعاطيط "دخلوا ساحة المنافسة ، وهؤلاء سيلحقون أضرارا بالمحترفين أسياد اللعبة.
"نظرية عطوان السلمية" بتقادم الزمن فقدت تأثيرها وفاعليتها ، لأن داعميها ، تخلوا عنها وركبوا الموجة الجديدة ، لعجزهم عن مواجهة من يخترق اللعبة حتى أصبح الخرق تقليدا سائدا وقاعدة للتنافس ، وخصوصا بعد أن لبى عطوان نداء ربه ، وباع ورثته الحمام الزاجل ، وفقد جنباز النعشخانة زبونه الدائم .
الجيل الجديد من هواة تربية الحمام الزاجل ، ونتيجة تأثره بأحداث شهدتها البلاد طيلة تسع سنوات ماضية ، بأمسّ الحاجة اليوم إلى نظرية سلمية جديدة ترتب العلاقة بينهم، وتعيد للعبة التنافس حيويتها ، والمشكلة أن لا أحد فيهم يستطيع أن يطرح نظرية ، فيجعل جنباز النعشخانة مقراً لقيادة عمليات يصدر أوامره للمطيرجية وإلزامهم بتنفيذها ، خوفا من سوء الفهم بأن تفسر أوامرهم بأنها صادرة من جهة تستهدف استقرار الأوضاع الأمنية وإثارة الفتنة بين مكونات الشعب العراقي ، وتنطلق من "تنظيم مسلح" يعتمد نظرية الراحل عطوان في ترتيب العلاقة بين الخصوم .
نظرية عطوان السلمية
[post-views]
نشر في: 16 مارس, 2013: 09:01 م