TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > خدعة المئة يوم

خدعة المئة يوم

نشر في: 17 أكتوبر, 2012: 04:45 م

حسين عبدالرازق

انشغلت الصحف وأجهزة الإعلام بالحديث عن «إنجازات» الرئيس د. محمد مرسي خلال المئة يوم الأولى من حكمه (من 30 يونيو وحتي 7 أكتوبر 2012)، وما تحقق من وعوده وما لم يتحقق، وقبل الدخول في تفاصيل برنامج المئة يوم الأولى لرئيس الجمهورية، فهناك عدد من الملاحظات لابد من وضعها في الاعتبار..
- الملاحظة الأولى أن رئيس الجمهورية هو الذي بادر بإعلان برنامجه للأيام المئة الأولى لحكمه، متأثرا في ذلك كما يبدو بما يحدث في الولايات المتحدة وفرنسا وغيرها من الدول الديمقراطية التي تأخذ بالنظام الرئاسي أو النظام المختلط.
- الملاحظة الثانية أن برنامج الرئيس للمئة يوم الأولى ركز على خمس قضايا رئيسية هي «الأمن - المرور - النظافة - الخبز - الوقود»، ورغم أهمية هذه القضايا أو الأزمات فهي نتاج لأزمات وقضايا رئيسية تجاهلها برنامج الرئيس تماما، فالقضايا الخدمية الخمس التي تعهد الرئيس بحلها أو مواجهتها لبدء حلها، هي منتج ثانوي، إذا جاز التعبير للسياسات التي أعلنت عام 1974 تحت اسم الانفتاح والقائمة على انسحاب الدولة من الاستثمار والإنتاج وتوفير الخدمات الأساسية والرهان على دور القطاع الخاص المحلي والأجنبي في تحقيق التنمية وعلى دور السوق الرأسمالي، تنفيذا لروشتة صندوق النقد والبنك الدوليين وهيئة المعونة الأمريكية المعروفة باسم «سياسة التثبيت والتكيف الهيكلي»، ومن أهم بنودها بيع وتصفية القطاع العام «الخصخصة»، وهي السياسة المتبعة حتى الآن!
وقد أدت هذه السياسات في كل البلاد التي طبقت فيها، وتحديدا في مصر، إلى نتائج سلبية أبرزها ارتفاع نسب الفقر التي وصلت إلى أن 48% من الأسر المصرية تعيش تحت خط الفقر و23% من الأسر تعيش تحت خط الفقر المدقع، وإلى وجود 1500 منطقة عشوائية يعيش فيها ما بين 12 مليونا و17 مليونا.
كما أدت إلى انتشار البطالة، فطبقا لبيانات اللجنة العليا للتشغيل برئاسة مجلس الوزراء - قبل ما يزيد على خمس سنوات - يتراوح عدد العاطلين عن العمل ما بين 5.2 مليون و436.3 مليون عاطل بنسبة ما بين 17% و20% من حجم قوة العمل، ويشكل المتعلمون بين العاطلين الأغلبية بنسبة تصل إلى نحو 3.87%، والنسبة الأكبر من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و40 سنة، وقد ارتفعت نسب البطالة بعد الثورة.
وشاع الفساد في مصر طوال العقود الماضية بصورة غير مسبوقة، حيث انتشر من القمة إلى القاع، وتورط فيه كبار المسؤولين «وأبناؤهم وزوجاتهم وذووهم» من الحكام في أجهزة الحكومة والهيئة التشريعية والدوائر القضائية والموظفين الكبار والصغار وجهاز الشرطة، وزاد الأمر خطورة أن هؤلاء - خاصة كبارهم - كانوا خارج نطاق المحاسبة وبعيدين عن دائرة سلطة القانون، بل أصبح البعض منهم هم من يشرعون القانون!
- الملاحظة الثالثة، أنه رغم ثورة 25 يناير وإسقاط حاجز الخوف، فمازالت ترسانة القوانين المقيدة للحريات التي تنتهك حقوق الإنسان قائمة، تهدد الحرية العرفية التي نتمتع بها في المرحلة الحالية، وفي مقدمة هذه القوانين: القانون رقم 10 لسنة 1914 والخاص بالتجمهر الذي أصدره خديوي مصر في 18 أكتوبر 1914 في ظل الحماية البريطانية، والقانون رقم 14 لسنة 1923 الخاص بالتجمعات والمظاهرات، وعشرات المواد في قانون العقوبات 58 لسنة 1937، والقانون 58 لسنة 1949 الذي يجرم حق الإضراب، وقانون الأحكام العسكرية 34 لسنة 1966، وقانون الحراسات 34 لسنة 1971 وقانون مكافحة الإرهاب 97 لسنة 1992، وقانون الجمعيات 84 لسنة 2002.. إلخ.
وقد تجاهل برنامج المئة يوم الذي طرحه الرئيس محمد مرسي هذه القضايا الجوهرية تماما، وركز على القضايا الخمس السابق الإشارة إليها.
وفي الأسبوع الماضي قامت شبكة «مراقبون بلا حدود» بمؤسسة عالم جديد للتنمية وحقوق الإنسان بإصدار تقرير يتضمن دراسة موثقة لتعهدات الرئيس وما تم تنفيذه منها أو شرع في تنفيذه.
يقول التقرير إن الرئيس طرح في برنامج القضايا الخمس 64 بندا يتم تنفيذها خلال المئة يوم الأولى، وأن هناك 42 بندا لم يتم الاقتراب منها، وبدأ في تنفيذ 22 بندا فقط، أي أن هناك 63.65% من وعود الرئيس لم يشرع في تنفيذها حتى نهاية المئة يوم الأولى.
وعلى سبيل المثال فمن بين 18 بندا في ملف المرور لم يتم تنفيذ إلا بندا واحدا ولم يتم التعامل مع 17 بندا، وفي ملف الوقود تم تنفيذ بند واحد من خمسة بنود، وفي ملف النظافة لم يتم تنفيذ 4 بنود من 7، وفي ملف رغيف العيش لم يتم تنفيذ 9 بنود من 13.. وهكذا.
والمحصلة النهائية بقاء الحال على ما هو عليه، وإحساس الناس أن الرئيس والجماعة والحزب قد خدعوهم، وأن ثورتهم في 25 يناير قد تمت سرقتها، وأن السؤال المطروح اليوم على كل الأحزاب والقوى السياسية والحركات الاحتجاجية هو.. ما العمل؟!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram