لعل من أهم العناصر التي يعتمد عليها رجال التحقيق الجنائي في الحصول على الأدلة الجنائية التي تشير إلى المتهم وتثبت الجريمة عليه ، هي البصمات بأنواعها ، إضافة إلى بعض الآثار المادية التي قد تتعلق بجسم الجريمة أثناء قيام المتهم بجريمته . وتتعدد أدلة ال
لعل من أهم العناصر التي يعتمد عليها رجال التحقيق الجنائي في الحصول على الأدلة الجنائية التي تشير إلى المتهم وتثبت الجريمة عليه ، هي البصمات بأنواعها ، إضافة إلى بعض الآثار المادية التي قد تتعلق بجسم الجريمة أثناء قيام المتهم بجريمته .
وتتعدد أدلة الإثبات كالبصمات والآثار البيولوجية في الوصول للجاني ، حيث أن بصمة اليد ليست هي الأثر الذي يميز هوية الإنسان فقط ، بل كل جزء من الإنسان يعد بصمة يمكن الاعتماد عليه ، وأثرا فريدا ، فإذا ما تتبعنا تصور القرآن للبصمات بأنواعها ، باعتبارها آثارا ينبغي الاهتمام بها ، نرجع إلى قوله تعالى : (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ) سورة المائدة : 45. إذاً فالنفس بصمة مثلها مثل العين ، وكل ما سبق ذكره في الآية الكريمة يعد آثارا يمكن تتبعها .
وبما أن لكل نفس خصائص تميزها عن غيرها ، ويمكن الاعتماد عليها كأثر مادي بمفرده ، ولعل تعريف إفلاطون للنفس يوضح لنا هذه الخصائص العامة ، حيث انه اهتم بالطبيعة البشرية ، حيث اعتبر أن النفس مستقلة عن الجسد ، ولكنها تحل فيه خلال الحياة ،وان هذه النفس هي مصدر السلوك الإنساني .
كما انه قسم النفس البشرية إلى ثلاثة أقسام ، ولكل منها فضيلة خاصة بها وهي النفس العاقلة وفضيلتها الحكمة ،والنفس الغاضبة وفضيلتها الشجاعة ،والنفس الشهوانية وفضيلتها الحكمة والعفة ، وهي ارفع هذه الفضائل منزلة . والإنسان الحكيم هو الذي يلزم الاعتدال ، ويحرص على تحقيق الانسجام التام بين هذه الفضائل الثلاث بحيث لا تطغى واحدة على أخرى .
ومما سبق وتعقيبا على رأي إفلاطون ، نجد أن للنفس تصرفات تعبر عن سلوك الإنسان في حياته وردود أفعال تختلف من شخص إلى آخر .
وبما أن صورة البصمة مطبوعة من خلال خطوط تداخلية مطوية ومنحنية داخل كل شريط عضوي بالإنسان ، فهناك علاقة وثيقة بين البصمة والناحية النفسية عند الإنسان ، فربما احتوت البصمة مخططات للجملة العصبية أو للدورة الدموية، ولو نظرنا للنفس ، فسنجد أن العلاقة بين البصمة والنفس وثيقة الترابط ، لان لكل إنسان نفسا تحركه وتتحكم في تصرفاته وأهوائه وطلباته وتختلف عن غيره ، ومن هنا يمكننا أن نتعامل مع الروح أو النفس كبصمة مميزة ، حيث أن انفعالات الإنسان غالبا ما تظهر في تصرفات الإنسان وسلوكه ، وهو ذلك الأمر الذي يميز إنسانا عن غيره .
وفي العصر الحديث ، ظهر لدينا العديد من أشكال البصمات ،مثل بصمة العين وبصمة المخ ، ونجد القرآن الكريم صدق على أنواع أخرى من البصمات مثل "الرائحة" ويدل على ذلك قول الله تعالى : (وَلَمَّا فَصَلَتْ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ ) سورة يوسف : 94 . وهذا دليل على أن لكل إنسان رائحة مميزة تختلف عن غيره من البشر .
وعلى سبيل المثال ظهرت العديد من التساؤلات الخاصة بوجود بصمة نفسية أم لا في قضية قتل سوزان تميم بدبي من جانب رجال الشرطة والقانون؟
وكانت الإجابة من جانب رجال القانون والشرطة نعم هناك بصمة نفسية للقاتل ، وتتمثل في ضربها باليد في وجهها وبعد قتلها غطاها بملاءة ، وهذا يدل على أن هذا التصرف قد يعود لعامل نفسي لدى القاتل أو ما يعرف في عالم الجريمة باسم " البصمة النفسية" ، وهي تعني هنا ما بداخل المجرم تجاه المجني عليه ويظهر في تصرفاته أثناء ارتكاب الجريمة ، وهو ما كان واضحا بشكل كبير.
وقد اتضح مفهوم البصمة النفسية عندما تم تحليل جثث القتلى بالعراق أثناء الغزو الأمريكي ، حيث تم التوصل إلى أن البشر يختلفون في ما بينهم في الكثير من الصفات البيولوجية، مثل بصمة الإبهام والصوت وقزحية العين وبويصلة الشعر وغيرها ، وبالتالي استنتج علم الإجرام حقيقة مفادها ، أن المجرمين والقتلة بالذات لا يتشابهون بطريقة أدائهم في مسرح الجريمة وإن كانت النتيجة واحدة،وهذا ما أطلق عليه لاحقا "البصمة النفسية " ، التي يستدل بها المحققون على الجاني.
والتساؤل هنا : ما هي العلاقة بين البصمة النفسية والأسلوب الإجرامي ، حيث انه من خلال جسم الجريمة يمكن التعرف على صفات الجاني ، وذلك من خلال الأثر الذي يوضح بعض صفات الجاني من خلال اختناق المجني عليه اثر الضغط بيده عليه أو ضربه بشكل مبرح باليد ، مما يوضح انه قد يكون رجلا وليس امرأة ، وهو ما يسمى " الأسلوب الإجرامي" ، حيث أن لكل مجرم أسلوبه في ارتكاب الجرائم .
ومن ثم يكون من السهل التعرف على مجرم معين إذا كان مسجلا أي مدونا بالسجلات الجنائية ،وذلك من خلال أسلوب ارتكابه للجريمة ، والذي يتم التوصل إليه من خلال معاينة جسم الجريمة ، وهذا ما عرف في ما بعد بالبصمة النفسية .
لذا ، فان للمجرم أسلوبه الخاص في كل جريمة يرتكبها ، أو كما يقول المختصون في العلوم الجنائية أن له " ماركة تجارية " أو بصمة نفسية خاصة به تميزه عن غيره من المجرمين ، فيكون أسلوبه واحدا في كل مرة يرتكب فيها الجريمة .