ترك دراسته في معهد الفنون وعشق بدلا منها السرقة ... بدأ حياته الجديدة في عالم الإجرام بسرقة حقيبة سيدة داخل أحد الأندية الاجتماعية في بغداد ... ثم توالت جرائمه .. ارتكبها كلها داخل نوادي الطلبة والنوادي الاجتماعية الشهيرة في بغداد .. حتى وقع في المصي
ترك دراسته في معهد الفنون وعشق بدلا منها السرقة ... بدأ حياته الجديدة في عالم الإجرام بسرقة حقيبة سيدة داخل أحد الأندية الاجتماعية في بغداد ... ثم توالت جرائمه .. ارتكبها كلها داخل نوادي الطلبة والنوادي الاجتماعية الشهيرة في بغداد .. حتى وقع في المصيدة ! منذ نعومة أظفاره ... كان الخط والزخرفة يجريان في دمه ... لم يكن يشارك أقرانه هواياتهم المعتادة في هذه السن الصغيرة، مثل لعب كرة القدم أو ركوب الدراجات ... كان يجد متعته في الجلوس أمام شاشة التلفزيون لمشاهدة أفلام الزخرفة والخط العربي ويقلد ذلك في كراريس ودفاتر كان يجلبها له والده لتطوير هوايته ... وكانت هذه الهواية تثير دهشة أفراد أسرته لدرجة أنه كان يقلد الخطاطين الكبار بمجرد النظر إلى خطوطهم ولوحاتهم وصورهم ... أراد والده استثمار هذه الموهبة المبكرة وحاول تدريبه على أنواع الخطوط العربية ... وزجه بالعمل مع خطاط كان له محل في المنطقة الشعبية التي يسكن فيها ... أراد (ز) أن يصقل موهبته بالدراسة بعد أن نال شهادة المتوسطة فالتحق بمعهد الفنون وتخصص في دراسة الرسم والزخرفة وظل يحلم بالمستقبل العريض الذي ينتظره في عالم الخط والرسم ... ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن وتبخرت الآمال والأحلام ... تحطمت آمال (ز) وتطلعاته على صخرة الواقع عندما فشل في العثور على عمل واكتشف أن اغلب الدوائر تبتعد عن تعيينه وأصبح الخط العربي منقرضا بظهور الخطوط الحديثة وأجهزة الحاسوب ... وأعياه البحث عن عمل دون جدوى ... وفي احد الأيام وأثناء وجود (ز) في احد النوادي الاجتماعية بناء على دعوة من احد أصدقائه فوجئ بإحدى السيدات تغادر المائدة التي تجلس عليها وتذهب إلى الحمام وتترك حقيبتها على المنضدة ، وكأنها توجه له دعوة مفتوحة لسرقتها ... ظلت عينا (ز) تراقبان تحركات السيدة التي أبطأت في العودة وابتعدت كثيرا عن حقيبتها مما أغراه أكثر بسرقتها خاصة وان مظهر السيدة الأنيق وعلامات الثراء التي تبدو عليها بوضوح يؤكدان ذلك. حقيبتها بالتأكيد تحتوي على مبلغ كبير من المال ... ظل الصراع النفسي بداخل (ز) فالشيطان يغريه بسرقة الحقيبة خاصة أنه لا يملك فلسا واحدا في جيبه وليس لديه عمل ولا توجد أي فرصة للالتحاق بعمل في القريب العاجل ... والجزء الطيب في أعماقه يرفض أن يتحول إلى لص ... وبعد صراع نفسي مرير اتخذ قراره بسرقة الحقيبة وظل يراقب عوده صاحبتها التي انشغلت عندما عادت في الممر المؤدي إلى الحديقة بحديث جانبي مع إحدى الصديقات ... وظل يتلفت حوله حتى يتأكد من انشغال أعضاء النادي بأحاديثهم الجانبية ولعب (البنكو)، فنهض من مكانه والتقط الحقيبة بخفة وسرعة واختفى سريعا بها في دورة المياه الصحية ... داخل المرافق قام بفتح الحقيبة ليجد بداخلها مبلغ 500 دولار أخذه وألقى بالحقيبة في سلة المهملات وغادر النادي مسرعا بسيارة أجرة قبل أن ينتبه أحد إلى واقعة السرقة التي قام بها !
سرقات متعددة
بدأت النقود تتدفق بين يدي (ز) بعد فترة من القحط الشديد الذي عاش فيه ... وبدأ يرتدي افخر الثياب والملابس ... وكان والداه يعتقدان أن هذه النقود حصيلة عمله في احد المحال ... كما نجح هو في إقناعهما ... وبدأت دائرة نشاطه تتسع لتشمل نوادي الجامعات والكليات المنتشرة في بغداد ... كان يسرق أي شيء تطوله يداه سواء كان اجهزة محمول او حقائب نسائية او محافظ رجالية ... أي شيء ... المهم ان يعود في نهاية اليوم الى منزله وجيبه ممتلئ بخمسة وعشرون الفا او اكثر على الاقل ... وبدأ الشيطان يلعب برأسه ويطرح السؤال ... ولماذا لا يسرق دور اصدقائه ومعارفه ... وبدأ فعلا بتنفيذ الافكار حيث ضاعف نشاطه ... وتضاعفت السرقات وبالتالي تضاعفت الشكاوى لدى مديريات الشرطة ومراكزها في بغداد ... وتم تشكيل فريق عمل للبحث والقبض على السارق المحترف ... واسفرت المعلومات التي جمعها فريق العمل بان الشبهات تحوم ضد شاب عاطل يدعى (ز) طالب في معهد الفنون والذي يتردد بانتظام على نادي المعهد وبقية النوادي في الكليات ... وعلى الرغم انه ليس طالبا أصلا حيث فصل من دراسته بسبب الغياب المستمر ... وسار رجال الشرطة خلف هذا الخيط الرفيع وتأكدت شكوكهم عندما أكدت المعلومات بان (ز) قد اختفى من منزله عندما شعر بان الشرطة أخذت تراقبه ... بعدها وصلت معلومات للشرطة بأنه يسكن وينام عند جدته في منطقة الوشاش ... اتجهت مفرزة من شرطة الكرادة باتجاه دار جدته (ز) وألقت القبض عليه عندما كان نائما في فراشه ... وعندما وصل إلى المركز اعترف تفصيليا بجرائم السرقة التي ارتكبها في عدد كبير من النوادي والمقاهي في بغداد ... وأحيل إلى المحكمة بعد تم توقيفه على ذمة التحقيق ! داخل مركز شرطة الكرادة التقيت بالطالب الفاشل (ز) الذي ظهرت عليه علامات الحزن والندم ونما شعر لحيته بصورة واضحة واختفت الوسامة التي كانت تميزه وأصبحت ملابسه في حالة رثة بعد الأيام التي أمضاها هاربا أو داخل غرفة التوقيف ... بكلمات قليلة متلعثمة تحمل الندم والحزن للمصير الذي وصل إليه تحدث قائلا : أنا الذي هدمت مستقبلي بيدي ... كان من الممكن أن أكون خطاطا شهيرا ... ولكني لم اصبر ... وعندما وجدت أول باب مغلقا في وجهي عدت للخلف ولم ابحث عن باب آخر وسلكت طريق السرقة ... رغم يقيني بان هذا الطريق ليس له سوى نهاية واحدة خلف القضبان المظلمة ... الدنانير أنستني نفسي وأنستني كل المبادئ التي تربيت عليها وفرطت في الموهبة التي منحها لي الله عز وجل واستحق المصير الذي وصلت إليه !