اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الثقافة ليست مناسبة احتفالية

الثقافة ليست مناسبة احتفالية

نشر في: 18 مارس, 2013: 09:01 م

أن تكون بغداد عاصمة للثقافة العربية أمر يدعو للفخر، فهي مدينة الثقافة، تاريخياً، ومراكز الثقافة العربية ومؤسساتها، مهرجاناتها ومطبوعاتها وإعلامها لم تخلُ يوماً من الإبداع العراقي، ومن العراق انطلقت أهم حركة لتجديد الشعر العربي، لكن بغداد، اليوم، عاصمة للتجهم والحزن والفراغ ، والمثقف العراقي كمن ذاك الذي ( ألقاهُ في اليمِّ مكتوفاً وقال له    إياك إياك أن تبتلَّ بالماءِِ) فهو يكابد السباحة ضد التيار حتى لو كان النهر ناشفاً، أصلاً، ومع هذا فثمة نتاجات ثقافية مرموقة غير أنها تنتج بمجهودات فردية تعمل بالطاقة الذاتية لمبدعيها وسط مناخ غير ثقافي، بل معادٍ للثقافة.
يمكن أن تقام الأمسيات الثقافية والفنية المتنوعة ويصار إلى إصدار ثلاثمائة كتاب كما أعلن في بغداد، قبل أيام، لمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة العربية، وربما تكرِّم الدولة بالمناسبة عدداًً من المبدعين العراقيين، لكن المشهد سيبدو مضحكاً مثل جهاز هاتف في مقبرة!
سيبدو مشهد عاصمتنا متوقعاً: مجموعة فعاليات احتفالية تنتهي بنهاية العام الذي لم يتبقَّ منه سوى تسعة أشهر (ماذا قدمت بغداد خلال الثلاثة أشهر المنصرمة؟) وبعد ذلك ستكف العاصمة الثقافية العربية، بغداد، عن الثقافة.
قل لي أين يمضي الناس أمسياتهم؟ أقول لك أكانت العاصمة ثقافية أم لا.
كم عدد المعارض التشكيلية والمسرحيات ودور السينما وقاعات الموسيقى وأمسيات الشعر وحفلات توقيع الكتب ومهرجانات جوائز الأفلام وتكريم الفنانين ونشاطات دور النشر (عدد الكتب المطبوعة والموزعة) والفعاليات الغنائية والموسيقية الشعبية والفولكلورية في الساحات والشوارع العامة؟
لعقود طويلة أُدرجت الثقافة لتكون مناسبة احتفالية منذ خططت السلطة الحاكمة لاستثمار الثقافة في الإعلام (= الإعلان) فجعلت الثقافة ذراعاً قمعياً إلى جانب ممارسات قمعية مباشرة بحق الناس عموماً والمثقفين خصوصاً، فالقصيدة تحولت إلى أهزوجة في أعراس الحاكم الكاذبة والأغنية نشيد مدرسي لتمجيده واللوحة صورته بعد التعديل والرواية سيرته المزورة (الأيام الطويلة) والتمثال تمثاله لا سواه.
هكذا دخلت الثقافة سوق المقايضة: أعطني عملك الفني أعطك المكرمة.. فأخذ مَن استجاب لشرط السوق ورفض مَن رفض فدفع ثمن كرامته.. كرامة عمله الفني.
حسناً، سقطت ثقافة الحاكم الذي اجتاز كل شيء، على أمل أن تبدأ مسيرة ثقافة جديدة، مختلفة، تبشر بالجديد والحـر غير القابل للشراء في سوق المقايضة، لكنه أمل لم يرَ النور، وما زلنا غير يائسين لأن الثقافة غريزة إنسانية لا تتوقف بقرار ولا تكف عن العمل إلا بموت الشعور الجمالي لدى صناع الجمال ومتذوقيه.
قادة العراق، اليوم، هم المسؤولون، لا غيرهم، عن تردى حياتنا اليومية وبؤسها وفقرها الإنساني، لأنهم مَن جعل لوجه بغداد هذه الملامح الكئيبة ليقرأ العالم، أكثر أخبار عاصمة الثقافية العربية مدعاة للحزن والشحوب والجفاف الروحي والفني، وتكاد تقرأ في وجوه الناس حجم الألم وعمق المأساة اللذين يكابدونهما، ليبدو الحديث عن الثقافة حديثاً مثيراً للسخرية!
ويقولون: نحن قادة منتخبون.
ونقول مع القائل "مَن ينتخب المسؤولين الفاسدين هم المواطنون الصالحون الذين لم يدلوا بأصواتهم" – جورج جان ناثان، ناقد مسرحي أمريكي".
فات هذا الناقد إننا أدلينا بأصواتنا التي سُرقت من صناديق الاقتراع وذهبت إلى آخرين!
لم يزل، ثمة  مَن هم بحاجة إلى أن نذكرهم بأن مَن بنى حضارات الأمم القديمة والحديثة هم المثقون من علماء وأدباء وفنانين وباحثين، وساحات العالم تمتلئ بنصب المبدعين من أبناء الدول المتقدمة قياساً بنصب السياسيين، وهم قلة نادرة ممن اجترحوا مأثرة كبرى لصالح أوطانهم في الحرب أو السلام.
الثقافة ليست مناسبة احتفالية إنما هي ديمومة حراك إبداعي على مدار الزمن طالما هي حاجة مُلحة كالغذاء والدواء، وهما حاجتان يفتقدهما، اليوم، آلاف العراقيين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram