اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > ذاكرة أكتوبر

ذاكرة أكتوبر

نشر في: 17 أكتوبر, 2012: 04:46 م

فريدة النقاش

لا تزال وقائع حرب أكتوبر المجيدة كنزا مدفونا رغم كل ما أحاط بها من ضجيج، ومؤخرا جدا تذكرت رئاسة الجمهورية واحدا من أعظم قادتها وهو الفريق «سعدالدين الشاذلي» ومنحت لاسمه وساما ،وخلال الثلاثين عاما الماضية اختزل المنافقون ملحمة هذه الحرب في الضربة الجوية لكي يتقربوا من مبارك وحاشيته.

وإذا ما استعرضنا أشكال التعبير الأدبي والفني عن هذه الحرب سوف يدهشنا مدى الفقر والسطحية فيها مقارنة بما سمعناه وقرأنا عنه في الصحف عن المآثر المجيدة، باستثناء المذكرات التي كتبها القادة الميدانيون للحرب التي خذلتها سياسة السادات حين تباطأت كما قال هؤلاء القادة أنفسهم عن تطوير الهجوم، فوقعت الحرب المجيدة فريسة للتلاعب السياسي من قبل أمريكا التي قال عنها السادات بعد ذلك إنها تملك 99% من أوراق اللعبة وهو يستعد لتسليم مصيرنا لها إن في زيارته للقدس أو في توقيع اتفاقية الصلح المنفرد مع إسرائيل بعد «كامب ديفيد».
قالت الأغنية «المصريين أهمه» لكن هذه الجملة الفريدة بقيت مجرد أغنية رغم أن هذه الحرب الملحمية كانت قد وفرت لنا مادة ثرية لوصف مصر من جديد.. لوصف بطولتها وتجسيد روحها الحقيقية، فهي قليلة جدا تلك القرى المصرية التي لم تقدم بطلا أو شهيدا في هذه الحرب ومن قبلها في ملحمة حرب الاستنزاف التي مهدت الأرض لانتصار أكتوبر، وبقيت سجلات حرب الاستنزاف - إلا قليلا - حبيسة الأدراج والنفوس، واكتفى بعضنا بتسجيل الجانب العسكري لها دون البعد الثقافي بأثره العميق على الشخصية الوطنية المصرية ومكوناتها، وما برز منها خلال المواجهات المتصلة مع العدو بعد هزيمة 1967 وجروحها العميقة، والخراب الذي أحدثته في النفوس قبل المعدات.
ثمة حاجة الآن إلى فرق عمل من طلاب أقسام التاريخ والباحثين وأعضاء الجمعية التاريخية المصرية ووزارة الثقافة مع لجنة توثيق الحرب لمسح قرى مصر ومدنها تنقيبا عن ذاكرة أكتوبر، وإحياء للتاريخ الشعبي لبلادنا في هذه الفترة الغنية من عمرها، هذه الفترة التي أبدع فيها أبناء الفلاحين والعمال، وكشفوا عن أعماقهم المتحضرة، وبينوا أن صبرهم الطويل لم يكن إذعانا وإنما كان تأهبا طويل المدى لرد الاعتبار للكرامة الوطنية، وتحرير الأرض المغتصبة والنفوس المهزومة.
ولا يفوتنا أن هذا الإيمان بالقدرة الذاتية والثقة في النفس قد شكل وجدان الشعب المصري منذ ثورتي القاهرة الأولى والثانية ضد الحملة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، وأخذ يسري في ضمير المصريين حتى الثورة العرابية وثورة 1919 وانتفاضة 1946 وثورة يوليو 1952 وصولا إلى هبّة يناير المجيدة سنة 1977، هذه الهبّة التي سارت على خطاها ثورة 25 يناير 2011 مستلهمة تراثها، واضعة نصب عينيها أهداف ثورة يوليو ،وكانت كل من حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر وهبّة يناير هي المقدمات التي حملت دروسا بليغة لثوار يناير.. درس المثابرة والتقدم الذاتي ودرس استخدام منجزات العلم والتكنولوجيا، ودرس العمل الجماعي المتلاحم الصبور، فتملك ثوار يناير أدوات العصر باقتدار، وثابروا بعناد حتى رحل «مبارك» وهم يواصلون مسيرة الثورة المصرية ببعديها الوطني الديمقراطي والاجتماعي، وإن كانت الظروف لم تعد مواتية.
ماذا ستفعل فرق العمل المنشودة؟ سوف يكون عليها أن تجمع تراث أكتوبر المنسي في كل مكان، في كل نجع وقرية ومدينة مع التركيز على أهالي سيناء وتذكر أهاليها بمآثر أبنائهم وتقيم المتاحف التي تضم صورا ومذكرات وخرائط وحكايات، متاحف مصغرة على غرار بانوراما حرب أكتوبر.
حلم «صلاح جاهين» بتماثيل رخام على الترعة وأوبرا ،ومن حقنا وحق الأجيال التالية أن تحلم بمتاحف وجداريات وأفلام ومسابقات ترمم ذاكرة أكتوبر ولا يقولن أحد تحتاج النجوع والقرى والمدن إلى الصرف الصحي أولا قبل المتاحف والجداريات، ونقول إنه عبر إحياء ذاكرة أكتوبر سوف يحيا الأمل في النفوس، وسوف يتقدم أصحاب الحقوق أبناء وأحفاد من استشهدوا ليبنوا مصر الجديدة العادلة وهم يستخلصونها من أيدي الأفاقين والمتاجرين بدماء الشهداء في كل عصر، وهؤلاء الذين تربصوا بثورتها وسرقوها ليسلموها لأعدائها وحتى لا تصبح ذكرى حرب أكتوبر مجرد مناسبة احتفالية يقال فيها الكلام ذاته كل عام، وإنما تتحول كما ينبغي لها أن تكون إلى منهج حياة عنوانه الإتقان والإخلاص والابتكار والأُثرة والتفاني وذلك حتى لا نربي جيلا يعاني   فقدان الذاكرة في ما يتعلق بتاريخه الحقيقي الذي شاء البعض أن يحوله إلى تاريخ أشخاص بدلا من أن يكون تاريخ شعب ظهرت عبقريته على أفضل نحو وأبهرت العالم في هذه الحرب.
قال المخرج المبدع «يسري نصرالله» الذي سبق أن صنع فيلما ملحميا عن شعب فلسطين هو «باب الشمس» - قال «إنني لو صنعت فيلما عن أكتوبر سيكون الشعب هو البطل».

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram