مر زمن طويل على آخر مرة رأينا فيها السيد بان كي مون غاضبا على السلطان العراقي، الذي يهمه تهدئة مجلس الأمن بكميات كبيرة من النفط لعمالقة البترول، والتفرغ لخصومه في كل الطوائف، ملاحقة بالهليكوبترات، او قرعا بالاتهامات.
وقبل ان ادخل في الموضوع أود الاشارة الى آخر كاريكاتير مصري نبهني اليه الاصدقاء قبل قليل، (وهل يتعب المصريون من صناعة السخرية؟) فقد ذكرت الاخبار ان الرئيس مرسي حصل اخيرا على دكتوراه فلسفة، اما المصريون فقد جاؤوا بتمثال قديم للمعلم الاول ارسطوطاليس، شيخ الاسكندر الكبير، وجعلوه يستعد لتمزيق ملابسه، حزنا على الفلسفة ومغامرة العقل الاولى، التي يراد للسيد مرسي ان يكون دكتورا فيها. وجيد ان ارسطو لم يقم بزيارة العراق مؤخرا كي لا يزداد حزنه بشأن فلسفاتنا المقلوبة التي تسخر من كل شيء.
واذا كانت الفلسفة تهدف الى تعريف الاشياء وتنظيم الحقائق لرسم حدود العدل والظلم، انتقالا من المعرفة الى الاخلاق، فإن ملف العدل ووزارته لدينا "انفتح على الاخير" هذه الايام، والسيد نوري المالكي يتعرض الى خذلان شديد سواء من تلاميذ شيخنا ارسطو او السيد بان كي مون او السيد وزير العدل. احدهما يقول له: حكومتك خارج المعايير الدولية، ولن ينفعك في كسب ثقة المجتمع الدولي حتى التنازل عن أم قصر للكويت، طالما مواطنوك المعتقلون خارج المعايير.
اما وزير العدل السيد حسن الشمري فيقول: نحن فاشلون، لكننا سنبقى في مبنى الوزارة المهدم. وطبعا فإن الوزير لم يقل ذلك صراحة لكنه ذكر في مؤتمره الصحفي امس "ان بعض المعتقلين يقومون بادارة العمل المسلح من داخل السجون" ومعنى هذه العبارة هو ان القاعدة المسجونة تقوم بإدارة القاعدة الطليقة (ولا احد يعلم اين صارت القاعدة المعدومة).
ان الوزارة فاشلة رغم كل الموازنات المليارية ورغم 10 اعوام على سقوط صدام حسين وبدء العراق الجديد. وهذا امر طبيعي في عرف الكثيرين لان الطريق طويل، وانا اقبل اننا نتطور ببطء لكننا لن نتطور ببطء ولا بسرعة طالما كان المسؤول يعترف بالفشل ويبقى في منصبه سعيدا بالمبنى المهدم الذي تركه لنا تنظيم القاعدة.
ومنذ زمن طويل لم يغضب بان كي مون على دولة سلطاننا، لكنه في تقريره حول العام 2012 عبر عن غضب، لان لجانا دولية عجزت عن دخول السجون المزدحمة، ولا تزال تحصل على مؤشرات تخص التعذيب الممنهج وسياسة انتزاع الاعترافات والتعامل المسيء مع المظاهرات.
وقريبا سيقوم السلطان العراقي بضم الياباني الوديع كي مون الى قائمة اعدائه، وهي قائمة تطول. فقد اصبحت الصحافة عدوة، ثم اصبحت منظمة العفو الدولية عدوة ايضا، ولم يبق سوى السيد كي مون الذي حافظ على هدوئه طيلة اعوام، لكنه بدأ يشعر بخطر سياسات المالكي وهو يكتب تقريرا عن عام عراقي بدأ باجراءات اعدام نائب الرئيس وانتهى بدبابات عند السفح الكردي وغضب في الصحراء الغربية وامتعاض في النجف واعتصامات في البصرة. بان كي مون يسأل اعوانه: هل يعقل ان المالكي سياسي جيد رغم ان كل ساسة العراق ونخبه يعارضون سياسته؟ لماذا نواصل الصمت اذن؟
انتظروا قليلا فغضب بان كي مون سيترك اثرا مؤلما في مواقف الاعضاء الخمسة بمجلس الامن والدول الكبرى، حيال تصورات المالكي بخصوص "حل مشاكل العراق والعالم"، وهو يتزامن مع اعتراف وزير عدلنا حسن الشمري بأن "القاعدة المسجونة" تقوم بإدارة العنف وتحريك "القاعدة الطليقة" وتستخدمها لحرق وثائق الطابق الثالث من وزارة العدل والخاصة بـ"القاعدة المعدومة".
وهذا يعني ان وزير عدلنا يكشف عن وجود 3 تنظيمات للقاعدة، فهناك قاعدة في السجن وقاعدة طليقة وقاعدة ثالثة يقال انها معدومة. وبناء على كلام الوزير فإنني كمواطن خائف من الارهاب، متأكد من اعترافه بوجود قاعدة مسجونة، وقاعدة طليقة، لكنني بدأت اشك بوجود قاعدة معدومة، وبدأت ارتاب حقا: هل نجحتم في اعدام قادة القاعدة، ام انكم اعدمتم قوما آخرين؟
ان القاعدة حين تكون شاطرة جدا وتدير "بزنس الموت" من داخل سجوننا المحصنة، وتنجح في اختراق كل الاماكن بمنهج واحد معروف، فهذا يعني يا سيادة الوزير انها قاعدة اشطر منك بكثير، واعتقد انها نجحت في خداعكم استخباريا داخل السجن مرات ومرات وجعلتكم تفرجون عن مجرمين عتاة وتشنقون ابرياء او مجرمين بسطاء، وهذا مسلسل متواصل كما يبدو، لا يفهمه حتى السلطان المشغول بمطاردة صحوات ابوريشة واصدار احكام الاعدام على نواب الرئيس وكبار الشخصيات الاخرى.
ان ارسطو الذي مزق (بحسب الاسطورة الفرعونية المعاصرة) ثيابه حين حصل مرسي على دكتوراه الفلسفة، سيكون على استعداد لتمزيق كل ما كتبه في فن "الطوبيقا" بمجرد ان يشاهد مؤتمرا صحفيا لوزير العدل، وهو وزير سيبقى في منصبه ويخبرنا بسعادة انه حصل على "اجهزة تشويش" يستخدمها في الزنازين كي يمنع القاعدة السجنية من الاتصال بالقاعدة الطليقة، ورغم كل التشويش الذي يمارسه فإن الطابق الثالث احترق، واحترقت معه ارواح العديد من العراقيين. هل كانت افادة الوزير خطاب استقالة ام مجرد توضيح لكارثة عادية اخرى لا نستحي منها نحن المحظوظون بدولة القانون؟
جميع التعليقات 1
ابو علي الزيدي
تحياتي للأخ سرمد الطائي الفرق بين تكليف الشعب للوزير وتعيينه من قبل حزبه فالوزير المكلف حتما يشعر بالمسؤليه أتجاه الثقه التي واولاها الشعب له والوزير المعين لا يكترث لأي شيْ ألا للمنافع الماليه التي يحصل عليها من وزارته لحزبه من هذه الوزارة وكئن هذه الوز