منذ الصباح وخلال متابعتي لخارطة معظم الانفجارات الإرهابية في بغداد، أحاول أن أتخيل وجه قاتل يرسم مسار العنف ويقول لزعيم التيار الصدري: "انظر حولك، فأهلك الشيعة يتعرضون للذبح، لقد حان الوقت لتبايع القائد العام للقوات كي تردوا على المفخخات". ان وزارة السلطان مهتمة كثيرا أن تثبت للصدر أن آهل التظاهرات في الأنبار ونينوى هم وراء التفجير هذا. سلطاننا يشعر بالخيبة لأنه لم يقنع الصدر بالاصطفاف معه. خائب لأنه لم ينجح في دفع جمهور التيار الصدري نحو موقف طائفي كالذي يؤسفنا أن نراه اليوم بين جزء من جمهور المالكي.
في الوقت ذاته كنت أحاول إن أتخيل وجه الصدر وهو يتابع الاعتداء المميت الذي يستهدف جمهوره. ترى بماذا يفكر هذه اللحظة؟
وبعد ساعات تعلن المحطات التلفازية أن هناك بيانا خطيرا ومهما للصدر. يخيم الصمت على الجميع. بعض من الذين يعرفون رهاني على موقف التيار الصدري، يسألونني: كيف تتوقع بيانه الآن؟ ان كثيرا من الجمهور يتوقع أن ينفد صبر مقتدى الصدر ويبدأ الرد على العنف الطائفي بعنف طائفي مشابه أو على الأقل ببيان يدين فيه التظاهرات ويمتدح المالكي. كثيرون ممن لم يستوعبوا طريقة تفكير الطاقم الشاب في القيادة الحالية للتيار الصدري، وممن لم يحسنوا قراءة ما يقوله الصدر منذ سنوات، كانوا يتسمرون أمام الشاشة بشك وحذر.
الدقائق المحدودة تمضي، والشباب مرتابون مما سيقول الصدر. أما أنا فكان ردي انه سيعلن موقفا مهما منسجما مع تعريفه لمصلحة أهله. ان لدى الصدر حسب ما سمعت منه وجها لوجه مطلع الشهر الحالي، ركيزتان: الأولى هي تعلق عاطفي بالوحدة الجغرافية التي اسمها العراق. سألته في حوار طويل سينشر قريبا: ما أنت صانع إذا ما طلب أهل الغربية إقليما دستوريا كضامن لحفظ حقهم. يجيب بما معناه: ليضمنوا لي بقاء العراق موحدا وليأخذوا ما شاؤوا من ضمانات وحقوق. اسأله عن التظاهرات وهو أوضح من دعمها برغم ملحوظاته على بعض راياتها.. فيستخدم في إجابته كلمتين: الوصال والهجران، وهما كلمتان يستخدمهما المتصوف في باب العشق.
أما ركيزة الصدر الأخرى فهي تعريفه الخاص لمصالح الطائفة الشيعية في العالم، وهو شيعي صلب العقيدة والمنشأ. يقول لي: لا مصلحة للشيعة إلا بحفظ علاقة متينة مع مليار مسلم سني، نصلي معهم لقبلة واحدة. أريد سلاما أبديا مع المسلمين، وخطاب الكراهية ارفضه، وسأتمسك بموقفي حتى لو شكك السنة بي، وحتى لو فقدت تأييد بعض الشيعة، فإزاء من يشكك هناك عقول وطنية ستستوعب ما أقول الآن أو لاحقا.
ان الصدر يعلن هنا أن خلافه مع المالكي ومع قيادات شيعية بارزة داخل العراق وخارجه، هو في تعريف مصلحة الشيعة. الصدر يؤمن بأن إزالة أسباب الكراهية وضمان حقوق الجميع هو أسلوب وحيد لضمان حق الشيعة. أما "الأمن القومي الشيعي" بنظر المالكي فيقوم على تحريك الدبابات نحو كركوك والأنبار واعتقال المزيد من سنة العراق والتفكير بمعاني الرؤوس النووية الإيرانية.
الصدر مستعد أن يخسر تأييد جزء من الشيعة مقابل صفقة سلام وطنية تؤدي لصلح كبير بين الطوائف وتبرد صفيح الوطن. والمالكي مستعد لاستفزاز كل الطوائف ليبقى زعيما لطائفة خائفة وقد يشعل حربا لأجل ذلك.
يرفع بعضهم أعلام القاعدة في التظاهرات فيقول لهم الصدر: عليكم إنزالها كي ننجح في الدفاع عنكم. ويقول المالكي وأتباعه: انظروا لحقيقتهم وتعالوا لنبيدهم. وهذا خلاف عميق بين الطرفين بشأن فهم المصلحة الشيعية والعراقية، هو اكبر من موقف سطحي أو مناكفة على السلطة. ولذلك فإنني لا اقلق وأنا انتظر بيان الصدر، بعد أن اختبرنا مرارا تصوره لخطورة ظهور دكتاتور يبدأ بظلم السنة والأكراد ولن يتوقف عند الشيعة بكل اتجاهاتهم.
لكن الشباب يتسمرون أمام الشاشة ويرتابون بشأن بيان الصدر، يخافون أن يصطف إلى جانب المالكي ويدعو لتسليح الطائفة (ويبيع الوطن في لحظة غضب). لكن المفاجأة (التي لا تفاجئني) هي أن المحطات التلفزيونية انشغلت بأخطر بيانات الصدر على الإطلاق. فبدل أن يدين السنة كطرف يتهمه المالكي بالعنف، قال "إن عراق علي والحسين يتسع للجميع، وما يحدث من تهميش لسنة العراق كارثة لا تغتفر..". انه أهم بيانات الصدر التي ستعقد خارطة الشطرنج العراقي كثيرا وقد سمع كل صانعي السياسات هذا البيان أكثر من مرة مساء الثلاثاء.
لكن مهلا، فقد سألت الصدر عن تظاهرات الغربية في حوار مثير وموسع سننشره خلال أيام، فأجابني: "لا بد من أن نتمسك بالوصال معها، وأقول للمتظاهرين: كفاكم هجرانا".
انه يستخدم تعبير الوصل والهجران الخاص بالمتصوفة، في التعبير عن رمزية الشراكة في الوطن. ويجعلني أتذكر بوضوح بعض ما دار بيننا في لقاء خاص بمكتبه بقيت أتذكر تفاصيله طيلة الأسبوعين الماضيين. يقول لي. أنا سعيد واشعر ان أسرتي وأجدادي الشهداء سعداء أيضا لأنني صليت خلف إمام جامع عبد القادر الكيلاني. لكن لا أخفيك، فان انتصار المشروع الوطني لن يتم بهذا وحده، بل نحتاج أن يدرك آهل الأنبار ونينوى وأهل الكيلاني حجم المخاطرة التي نحن فيها، ويتقدموا نحوي خطوة.. وان يأتوا يوما ليصلوا خلفنا.
ان الصدر يبحث عن شريك يتقبل المغامرة بأشياء كثيرة للوقوف بوجه سلطان متسرع محب للكرسي ومستعد لإحراق الجبل والصحراء وبغداد. الصدر يغامر ويتعرض لاتهامات شيعية خطيرة بأنه "شق الصف الشيعي" وانحاز لبارزاني والعراقية. وهو يريد طرفا من الجانب الآخر يقبل شراكة مسؤولة في هذه المغامرة. ينتظر من سيصلي خلفه كي يطفئ نار الاتهامات التي ينسجها حوله المالكي ولكي تكتمل أركان الشراكة من الكيلاني حتى النجف. وبدون قبول لمغامرة بهذه المقاييس، سيمكن لحاكم مجنون أن يعبث بكل المصالح ويسلمنا إلى "جيش المختار" و"جبهة النصرة". إنني وآخرون نقرأ بيان زعيم التيار ونسأل: من سيصلي خلف الصدر؟
جميع التعليقات 15
غفار عفراوي
أحسنت وبارك الله فيك
السيد الحسني
ان كل من يدعم وصول مثل هؤولاء الانانيين الى الحكم والحكومة انما هو استهتار بالمذهب ومصالحه، وانه يجب الوقوف دون وصول مثل هؤلاء ومن وصل منهم الى الحكم يجب عدم دعمه وتقويته على الاطلاق وان كان ينتمي الى طائفة ذلك الفرد، فليس على الشيعي ان يدعم الشيعي الانان
معين الجنابي
كلنا نصلي وراء الصدر ان شلء الله فهو والله مفتاح امان العراق
علي الوحيلي
لا احد سيصلي خلف الصدر...لانهم (للاسف) لايثقون الا بانفسهم, ولأنهم (للاسف مرة اخرى) اغلبهم تدفعهم المطامع والمناصب لا الوطنية وحب الشعب... ولكن هنالك امل بان يصلي احد ولو من المسيحيين لانهم لحد الآن لم تتلطخ ايديهم بالدماء.
عمر عبد الستار lمحمود
لامناص من صفقة كبرى بين السنةوالشيعةلتحقيق السلم الاهلي لامناص من مصالحة وطنية تنصف المظلوم وتنتصف من الظالم لامناص من نظام حكم فيدرالي يحفظ للعراق وحدته لامناص من عقد اجتماعي بين طرفين واثقين يعترف كل منهما بحق الطرف الاخر في الوجوداولهوية والحقوق
كاطع جواد
من يسمع خطاب السيد مقتدى لاول مرة تغمره الفرحة ويعتقد ان هناك زعيما شابا وطنيا لا يهمه الا العراق والعراقيين خاصة عندما يبتعد عن الخطاب المذهبي الى الخطاب الوطني وهذا ليس غريبا على ال الصدر الذين قدموا التضحيات الجسام بمقارعتهم للدكتاتورية الصدامية والظلم
صلاح الأوسي
أبدعت كعادتك أيها الأخ العزيز سرمد.ولكن من يستمع لصوت العقل وصوت الشحن الطائفي لايعلو فوقه صوت؟؟ ومن يضع مصلحة العراق وشعبه قبل مصالحه الحزبية والفئوية والشخصية الضيقة؟ ماذا حصل لو أن السيد المالكي ذهب بنفسه إلى الأنبار وتفاوض مع أهلها وشيوخها واقنعهم بعد
قيس الغالبي
استاذ سرمد لقد وضعت يدك على الجرح واتمنى صادقا معك ان يدرك الفرقاء ان الصدر يبحث عن شريك يتقبل المغامرة بأشياء كثيرة للوقوف بوجه سلطان متسرع محب للكرسي ومستعد لإحراق الجبل والصحراء وبغداد. الصدر يغامر ويتعرض لاتهامات شيعية خطيرة بأنه شق الصف الشيعي وانح
ابو محمد المحمداوي
كلمات اعجبتني للكاتب والمؤلف رشيد السراي ارجو الاطلاع عليها... هههههه شنهاي الفلوس صدك خير وبركة وتغير كل مجريات وتحركات الانسان قبح الله الاموال وقبح الذين يسيرون خلفها بدون اخلاقيات وادبيات للعمل والمهنة هل اصبح سرمد الطائي صدرياً؟؟؟ شقشقة على صورة ملاح
ale
انا اتعجب من سرمد االطائي يصف المالكي بالسلطان المجنون وغيرها من الاوصاف هل هذا هو الاعلام المحترم الذي يحترم الخصومه فالمالكي منتخب من قبل الشعب واذا الشعب ينتخب مجنون فهو مجنون فشن ياسرمد حمله على اغلبية الشعب وصفه بالجنون كل هذا لماذا لانكم انت واتباعك
ابو فرح العقيلي
وهل سأل الصدر نفسه من أين بداءت الحرب الطائفة عام 2006 التي راح ظحيتها ألاف من الناس من (السنة والشيعة) ام هل سأل الصدر نفسه من الذي اجلس المالكي على عرش الرئاسه كل هذه الفتره رغم الخلافات السابقه بينهم . سيدي كل التقدير والاحترام لك لكنك رجل متقلب الارا
مروان
فاجئني ذلك المتقلب سرمد الطائي حينما قال انه قد خيمة الصمت بنتظار بيان الصدر وكان الشعب العراقي مجموعة من السذج وكانها لا تعرف مقتدى ولا تعرف تقلبه وتصريحاته المتناقضة .. لكن لله في خلقه شؤن
محمد الجبوري
اسمعت اذا ناديت حيا ولاحياة لمن تنادي ولكن الرجال مواقف ورضا الناس غاية لاتدرك بارك الله فيك يااخ سرمدواتمنا ان لاتغيرك الايام
ابو محمد العراقي
العجب كل العجب ان ينتظر الشعب العراقي بيان مقتدى وهل هو مجتهد حتى المجتمع ينظر الى كلامه ما يقول فيه اعلموا اخوتي ان كلام مقتدى اصبح لا يمثل شيء في المجتمع سوى الاعلام الذي يجد فيه ثمرة لتمرير بعض الاهواء والمصالح الخصية بسبب تناقضات هذا الشاب الصغير !!!!
ابو محمد الشطري
كلام سرمد فيه الكثير من الدقة اما رشيد السراي فنحن نعرفه بالمتقلب فقد كان صدريا وتحول الى يعقوبي واخيرا رشح للانتخابات مع المالكي لان القضيلة لاشعبية لهم فهم حرامية البصرة ..والصدر تاج راسك يارشيد الكذاب فاعرف حجمك ولاتتجاوز.