أول من أمس، كان هاجس الصعقة وارداً، والأخبار تترى عن احتدام الصراع بين القوى، واحتمال نشوب حرب أهلية بين هذي الطائفة وتلك، وهذا الكيان وذاك.
أول من أمس،، كلما فض الهاتف ختم صمته بترنيمة، وجدت على الطرف الآخر من الخط من يدعوني لمشاهدة البرنامج البريطاني العريق(بانوراما) على قناة الـ..بي.بي.سي.. والمناسبة؟ مرور عشر سنوات على اجتياح العراق، وتحريره من؟!
من الظلم إلى الجور، من الخوف من شبح مرئي، إلى الفزع من أشباح غير مرئية؟، من فساد في الخلق، إلى فساد في الخلق والذمم؟،
الجواسيس يضللون العالم، اسم البرنامج يفتح الشهية للجلوس حول المائدة لتناول العشاء المسموم المزين بالقشطة والسكاكر.
بكامل الوعي أتهيأ لمتابعة البرنامج. أتوسم موقفا أخلاقياً، إنسانياً، شجاعاً، يعلن على ألسنة الدهاقنة، يحلل ما جرى؟ ولماذا؟ وصولا لما سيجري، وكيف؟ فلا أجد إلا الأضغاث مكررة ومستعادة.
يبدأ البرنامج بمشهد لبغداد تحترق بوابل من نيران الراجمات والصواريخ، (350) ألف طن من المتفجرات،زخت على عاصمة القلب، يليها صمت وغرق في الظلام، قصفوا كل ما من شأنه أن يضيء! وأول الأهداف (توهج نور العراقي). ويا للعجب، فقد تحاشوا قصف آبار النفط، الذي ظل متدفقاً في السلم والحرب!!
ليس في البرنامج المخضرم من جديد. الشخصات التي اختلقت الإدعاءات نفسها، بوش وتابعه بلير، ديك تشيني وتابعه رامسفيلد، تتبعهم بقية الشلة كقطيع ضال.،
بلير فزع ومرعوب ومستوفز، زائغ النظرات، يعيد ما كرره آلاف المرات، من دون ألم أو ندم أو اعتذار، بوش الابن بابتسامته اللزجة يتمطق الكلمات كمن يلوك علكة مسكرة، هانز بليكس (الذي قاد فريق التفتيش عن الأسلحة، يعلن: لم نجد أسلحة للدمار الشامل)!
أظهر الفيلم طاهر الحبوش (رئيس الاستخبارات حينذاك) يدفع تهمة امتلاك أسلحة دمار، كما ظهر ناجي الحديثي مهموماً مثقلاً بالملفات يدفع بأقصى ما يستطيع فرية امتلاك العراق للأسلحة الفتاكة، د. إياد علاوي يدفع عنه الشبهات بمبتسر الأجوبة..
بعض الضيوف، اكتفى البرنامج منهم بكلمة أو بكلمتين. هل وجدتم أسلحة دمار شامل؟؟ لا.هل كان ثمة تهديد للعالم خلال الأربعة والعشرين ساعة _ كما صرح بلير؟؟ لا. قطعا لا. هل تم تجاهل أصوات الملايين التي غصت بها الساحات لمتظاهرين يشجبون التحرك لضرب العراق؟ بالتأكيد. هل كان يمكن تجنب وقوع الحرب؟ ربما. هل ارتوى غليل أعداء العراق من تدمير العراق؟ لا.. ليس بعد!
الملفت للنظر، تركيز البرنامج على شخص عراقي الملامح، يظهره البرنامج في أكثر من لقطة، مبتسما، ضاحكا، متضاحكا، يقال إنه كان الوتد الذي بنيت عليه مبررات الحرب! عجايب. هل يعقل أن يضلل شخص أو ثلة أشخاص، مخابرات أعتى دولتين، بإمكان أجهزتهما التنصت حتى على ما يدور في الصدور؟
أما والحرب غدت تاريخاً، ومجرد برنامج على شاشة، أما كان جديرا ببرنامج عريق أن يظهر بموضوعية أعمق، وبحكايات مفبركة لا تنطلي حتى على أغبى الأغبياء؟!
حرب العراق، تربيع الدوائر
[post-views]
نشر في: 22 مارس, 2013: 09:01 م