لم يعد خافياً على أحد أن الغزو الأميركي للعراق عام 2003 لم يكن لتخليص الشعب العراقي من حكم الطاغية صدام حسين و إقامة نظام ديمقراطي يحقق العدالة و الحرية و احترام حقوق الإنسان في العراق، كما زعم قادة التحالف في حينه، و إنما لتوسيع المصالح الأمير
لم يعد خافياً على أحد أن الغزو الأميركي للعراق عام 2003 لم يكن لتخليص الشعب العراقي من حكم الطاغية صدام حسين و إقامة نظام ديمقراطي يحقق العدالة و الحرية و احترام حقوق الإنسان في العراق، كما زعم قادة التحالف في حينه، و إنما لتوسيع المصالح الأميركية و الأوروبية، بدليل أن الأميركيين تركوا العراق، حين خرجوا رسمياً، أسوأ مما كان فيه من خراب و تخلف و لا ديمقراطية. كما أصبح معروفاً للجميع أن الفساد الذي " ينعم " به العراق اليوم هو ثمرة محسوبة من ثمار المخطط الأميركي لهذا البلد و للمنطقة كلها، و أن المخابرات المركزية الأميركية قامت على أفضل وجهٍ بدورها الشرير المعروف في إفساد الذمم المحلية و تجنيد العملاء " رجال المستقبل " من خلال الإغراءات السياسية و المادية، و اللعب على الطائفية، و تمويل مشاريع " المجتمع المدني " الزائفة ــ مصائد المغفلين و طلاب النفع المجّاني السريع. و من يتشكك في ذلك ما عليه سوى الاطلاع على كتاب " إرث من الرماد " للكاتب الأميركي تيم واينر الذي يوثّق لمثل هذه الأعمال التي مارستها الـCIA طوال تاريخها في مختلف بلدان العالم. و قد صدرت في موسكو مؤخراً رواية توثّق لهذا كله أيضاً لكن بعمل أدبي .
فقد نشرت قناة " روسيا اليوم " تقريراً جاء فيه أن روايةً للمستعرب الروسي ادوارد ريس قد صدرت في موسكو عشية الذكرى العاشرة للاحتلال كي تروى الأحداث الواقعية المرتبطة بنكبة الشعب العراقي. وبطل الرواية هو الشاب فرانك نورمان المستعرب والموظف في إحدى شركات النفط الأميركية الذي قرر بعد أن سأم من العمل الروتيني مع الأوراق في مقر الشركة في هيوستن السفر إلى العراق عن طريق شركته ليرى بأم عينيه ما يجري في بلاد كانت ولا تزال في مركز اهتمام السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، و ما الذي كسبه الشعب العراقي من إطاحة القوات الأميركية للطاغية. و كان بطل الرواية يأمل في أن وجوده في المنطقة سيوفر له الفرصة للحصول على المراجع والصحف وأقوال شهود عيان تلك الأحداث مما سيقدم له مساعدة لا تقدر بثمن لتأليف كتاب عن التاريخ السياسي لبلدان الخليج العربي. وحصل فرانك نورمان على وظيفة للعمل في مؤسسة خيرية تابعة للشركة في بغداد بعد احتلالها من قبل القوات الأميركية. وكانت مهمته الرئيسية تتلخص في الإشراف على توزيع مواد الإغاثة والسلع التي تشتريها شركته وتقدمها للناس وبهذا تخلق صورة طيبة عنها في أوساط المجتمع الأميركي ، كما تتوفر لديها فرص اكبر مما لدى منافسيها لدى تقاسم الثروات النفطية العراقية. و عمد نورمان، تسهيلاً لتحقيق غايته، إلى الاتفاق مع صحيفتين صادرتين في نيويورك للعمل كمراسل خارج الملاك لهما. و قد وجد نفسه متورطا في مشروع جديد لوكالة المخابرات المركزية هدفه إعداد جيل جديد من المسؤولين الإداريين العراقيين الذين يتمتعون برؤية ستراتيجية للقضايا الدولية وبالقدرة على مواجهة تحديات القرن الجديد. ويكلف نورمان بمهمة غريبة للغاية هي جمع المعلومات عن الشباب العراقي المتعلم و المحتمل العمل معهم خلال وجود الأميركيين في العراق ويمكن أن يشغلوا مناصب قيادية مهمة في إدارة البلاد. و تتناول الرواية الظروف الصعبة و الوضع السياسي المتوتر داخلياً، و تسلط الضوء على و ضع الجيش الأميركي المحتل و لاسيما حياة الضباط الأميركيين الذين له علاقات ودية معهم، وعلى دورهم في إقامة نظام "ديمقراطي" جديد في العراق، و انتقادهم قيادة البنتاغون، وعلاقاتهم مع أفراد الجيش العراقي الجاري تشكيله آنذاك. و يشارك نورمان في إطلاق سراح موظف بالمؤسسة الخيرية التابعة لشركة النفط كان يمارس شراء وتهريب الآثار القديمة المنهوبة من المتاحف العراقية إلى أوروبا وأميركا و اختطفته عصابة إجرامية محلية كان يعرقل نشاطها! ويقوم البطل بدور كبير في إعادة تنظيم شبكة الاستخبارات العراقية التي ألغاها الأميركيون في بداية الاحتلال. و هكذا و بفضل فرانك نورمان بالذات تنجح وكالة المخابرات المركزية في تجنيد ضابط عراقي سابق مسؤول عن نشاط عملاء العراق في إيران لكي يعمل لحسابها. و أخيراً تقرر شركة النفط الأميركية أن نشاطها لم يعد نافعاً ولا يبرر النفقات ولهذا يجب أن يعود نورمان إلى الولايات المتحدة. فيغادر العراق متوجها إلى هيوستن حيث يقنعه رجال المخابرات المركزية بالعمل معهم كخبير في الشؤون الإسلامية والانضمام إلى تنظيم غير رسمي يجري تشكيله لمكافحة الإرهاب في البلدان الأوروبية، وعندئذ تبدأ قصة أخرى.