لم يعد مهما ما يمكن للمالكي ان يفعل، فقد صارت خططه معروفة بمخاطراتها. المهم ان نكتشف ما يجري في واشنطن وطهران وهما الراعيان الاساسيان لسلطان ظل بمفرده مع 9 وزراء فقط. لكن الموت والسياسة يشجعان صديقا على اخباري بقصة مؤثرة تتعلق بجنرال فاشل يتناول فطوره في مقبرة ايام الحرب الاهلية في امريكا. كما يشجعان صديقا آخر على كتابة نصوص شعرية من ذلك النوع الذي يعجبني بذكائه المفرط.
وقبل سرد حكاية المقبرة وإيراد القصائد الذكية، اسمحوا لي ان اختصر امورا تتطور كثيرا منذ الثلاثاء الدامي، الذي شجع الجميع على الظهور في جمعة بدت متقاربة الشعارات. كانت صلوات الجمعة خلال الاسابيع الماضية سببا لبعض التلاعن والتشاتم، غير انها في الجمعة التي جاءت بعد الثلاثاء الاحمر، ركزت من نينوى حتى كربلاء على مفهوم واحد: نقد طريقة المالكي في صناعة الامن، والمطالبة بالتغيير والتحذير من الانتفاض كما قال ممثل السيد السيستاني.
السلطان لم يبق معه سوى 9 وزراء كما يبدو، وقد حاول ان يستهين بالصدر ويمنحه "مهلة". لقد توقع المالكي انه لا يزال قادرا على ان يمنح شركاءه "مهلة"، لكن على المالكي من الان فصاعدا ان يستعد لسماع الردود الاكثر قسوة ليس من اطراف لقاء "اربيل نجف" وحسب بل ومن خطيب كربلاء ممثل مرجعية السيد علي السيستاني، الى جانب خطباء النجف والكوفة ونينوى والانبار. هؤلاء كلهم قالوا له ظهر يوم الجمعة: كلنا ضد سياساتك، وانت الان سلطان وحيد معزول، بمجلس وزراء موحش، ولا بد من خضوعك للحساب العسير.
المفاجآت تكبر، وقد ذهب المالكي الى عمار الحكيم الاسبوع الماضي، والمصادر تؤكد ان الحكيم اضطر ان يقول للمالكي كلاما قاسيا مفاده: صار صعبا ان ندعمك اكثر، والتحالف الوطني كله محرج من قراراتك المتفردة التي تأخذها دون تشاور معنا. وبدل ان ينصت المالكي لنصيحة الحكيم راح يوقف انتخابات الانبار ونينوى دون تشاور مع احد، وفي مجلس الوزراء الموحش الذي غاب عنه الاكراد والعراقية. هل كان يتوقع ردا قاسيا كالذي صدر عن مقتدى الصدر؟ ان موقف الصدر راح يفتح الطريق امام زعماء شيعة ظلوا "وسطيين" خلال الازمات الاخيرة. فعصر الخميس قال الحكيم كلاما مهما في نقد تفرد المالكي بادارة الامن. كان يبعث برسالة مفادها: لا يمكنك يا رئيس الوزراء ان تتخذ قراراتك بمفردك دون تشاور، ثم تعود طالبا منا ان ندعمك ونقف الى جانبك.
الصدر كان يقدر ان الغياب عن الحكومة ليس امرا مفيدا، وقد ناقش العراقية في ذلك. لكن اشارة المالكي بأنه قادر على الغاء الانتخابات، دقت جرس انذار كبير حول ما يمكن ان يحصل. ولعل المهم في الامر كما يقول لي زعيم بارز، ليس ما يمكن للمالكي ان يفعل فقد صارت كل مخاطراته معروفة تقريبا، بل المهم هو كيف تنظر طهران وواشنطن كراعيين اساسيين لهذا الحاكم المعزول. لقد منحاه ثقة كان عليه استخدامها لجمع العراقيين حوله، لكن المالكي استخدم دعم امريكا وايران ببراعة لتفريق الناس من حوله وبقي معزولا وحيدا في مجلس وزراء موحش.
وفي اول رأي مثير منذ انسحابها، قالت امريكا على لسان السفير خلال الاجتماع مع النجيفي صباح السبت، بأن واشنطن قلقة من سلوك المالكي الاخير. ماذا بعد؟
قيس العجرش الصحفي والكاتب وبينما كنا ندور في بغداد عالقين بين شوارع اغلقتها انفجارات الثلاثاء الدامي نفسه، يروي لي ما سمعه عند زيارة مقبرة ارلنغتون للجنود الامريكان، حكاية هذه المقبرة. جنرال الحرب الاهلية في القرن التاسع عشر يرسل الكتائب الى الحرب بخطة يثبت فشلها كل يوم، فتعود الجثث مساء دون ان يقتنع بمراجعة خططه. الضباط عاجزون عن اقناع الجنرال بفشل الخطط، فتعمدوا ان يدفنوا جثث رفاقهم صباحا بالتزامن مع "فطور الجنرال"، لكي يتفرج على جثث العسكر وهي تتزايد. وهكذا نشأت مقبرة كبيرة للجند امام طاولة فطور الجنرال الفاشل. ظل فترة يتناول شطائر البافالو وينظر للدم، بدم بارد. ولكن وبعد ان تزايد الضحايا شعر ان خططه قد دفنت مع الجنود، ثم استقال وكان غيابه نهاية للحرب.
وبموازاة هذه الحكاية، احدق هذه الايام في نصوص شاعر من ميسان اسمه ميثم راضي، يكتب شعرا غير ممل. شعر يستفز الذكاء، ويربط الرياضيات بالخيال. انه من النوع الذي يعجبني كثيرا. وآخر ما قرأت له على فيسبوك، هذه الصورة الحلوة.
"أن أطبع قبلة الان على كفي، ثم أنفخها نحوكِ، ليس لأنني لا أستطيع النهوض لتقبيلكِ. ليس شبقاً سرياً. أفعل ذلك لأفحص الهواء، هل مازال يعرف كيف ينقل الأخبار الجيدة؟".
لكنه يكتب عن حروب الماضي الغربي وحروبنا قائلا "الأوربي العجوز، بعينيه الزرقاوين يتابعنا في الشاشة .بطريقة ما، نحن نذكره بحروبهم الكبيرة القديمة. هو يعلم أننا نحتاج لجثث أكثر بعد حتى نندم كما حدث عندهم. عندها سنجلس أمام شاشاتنا ونراقب بعيوننا السود، شعوباً اخرى في العالم تقتل بعضها لأسباب سخيفة".
قصائد ومقابر لحاكم و9 وزراء
[post-views]
نشر في: 23 مارس, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 3
كاطع جواد
العراق ليس امريكا وما ينطبق على السياسين الأمريكيين لا ينطبق على السياسين العراقين ..كانت الضحايا التي تأتي من من حروب صدام العبثية كثيرة ،فقد كان دفانو النجف لا يجروا الأنفاس لكثرة الجثث التي تدفن في مقبرة النجف اما صدام حسين فكان يتجول بين الناس وهو يشو
المدقق
المالكي , السلطان , الحاكم , الدكتاتور ,,, وغيرها من الاوصاف والنعوت التي دأبت انت ومن خلفك محركيك ان تصف بها البطل الاوحد ابو اسراء حتى صرت مريضا بمرض لا دواء له وهو المالكي .. رفقا بنفسك وبنا فقد مللنا خطبك وشعاراتك وانت لا تعي ابجدية السياسة ,, وصرت لا
حسن
الى الاخ مدقق : ما الفرق بينك وبين كاتب المقال انت كذلك يبدو تكتب بامر سيد الرجال الزعيم الاوحد عبد الكريم قاسم عفوا المالكي الذي شبهته بالمرض ومن انت كي لا يشرفك عمل الوزراء العبيد , اعتقد الفرق يكمن بين بلاغة السويعات ..الكويتب والعنجوكية التي لا اعرف