منذ سنة ونيّف سحبت الولايات المتحدة آخر ما تبقى لها من قواتها التي شنّت حرب 2003 وأسقطت نظام صدام حسين. وقبل الأميركيين خرج البريطانيون وسائر الحلفاء الذين عاضدوا الأميركيين والبريطانيين في تلك الحرب التي لم تعد بالنسبة لهم جميعاً غير ذكرى.
برغم ذلك لم تفت الذكرى السنوية العاشرة لبدء العمليات الحربية من دون مراجعة للتجربة بأكملها. بل هي كانت مراجعة واسعة وعميقة انخرط فيها العديد من السياسيين الأميركيين والبريطانيين ممن كانت لهم كلمة في قرار الحرب. وكان بينهم ثمة إجماع تقريباً على الإعلان بأن قرار الحرب كان خاطئاً أو ان إدارة مرحلة الاحتلال التي تلت اسقاط صدام كانت هي الخاطئة.
بين المعترفين بالخطأ بول وولفوفيتز مساعد وزير الدفاع الأميركي آنئذ الذي يوصف بانه مهندس خطة تلك الحرب، ووزير الخارجية الاميركي كولن باول، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير ونائبه جون بريسكوت وسواهم، فضلاً عن عشرات المحللين الاستراتيجيين والمؤرخين.
كلهم راجعوا واعترفوا بأخطائهم، إلا نحن، مع أننا الأحوج للمراجعة، فما حدث في 2003 متواصل حتى اليوم بآثاره العرضية السلبية للغاية التي لها عناوين كثيرة: الموت الجماعي والدمار الشامل في العمليات الإرهابية المتفاقمة، الحرب الطائفية، تسيّد حثالة المجتمع السياسي، الفساد المالي والإداري، الفقر، البطالة، انهيار أنظمة الخدمات العامة، انتهاك حقوق الإنسان وسائر الحقوق والحريات العامة والخاصة.. الخ.
نعم كانت في تلك العملية حسنة كبيرة هي الخلاص من نظام متوحش ومغادرة النفق المغلق المعتم، بيد أن ذلك الخروج لم يكن إلى الفضاء الذي تطلّع اليه العراقيون .. فضاء الديمقراطية والحرية والكرامة واعادة البناء والتمتع بالثروات الوطنية الهائلة بعد طول حرمان. لم يكن خروجاً من السيئ الى الأفضل، بل من الأسوأ الى السيئ فحسب.
كان لدينا دكتاتور جاء من قاع المجتمع ليتحكم بالرقاب والمصائر على مدى أكثر من ربع قرن، فيما لدينا الآن بضع دزينات من حثالة المجتمع أيضاً تقوم بالمهمة ذاتها منذ عشر سنوات، فكأنك يا بو زيد (الأميركي – البريطاني) ما غزيت!
لم يُقدِم رجال دولتنا ومستشاروهم و"خبراؤهم" على المراجعة.. هم لن يجرأوا، واذا ما فعلوا فسيخرجون علينا بأوراق ناصعة البياض، كما فعل الحزب الحاكم أخيراً.
حزب الدعوة الإسلامية عقد منتصف هذا الشهر مؤتمره السادس عشر. والبيان الصادر عنه لم يحمل أي إشارة الى ان المؤتمرين قد درسوا وحللوا تجربة حكمهم البلاد على مدى السنوات السبع الماضية أو في الأقل الثلاث الأخيرة. فكل ما جاء في الفقرات والجمل المقتضبة للبيان يعبّر عن الشعور بالرضا وعن روح المكابرة، فلا اعتراف، بل ولا حتى مجرد الإشارة الى خطأ ما ارتكبه أمينه العام، رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير أجهزة الأمن كلها، أو وقع فيه أي من مسؤولي الحزب الذين يمسكون بعدد من مفاصل السلطة والثروة الرئيسة في العاصمة والمحافظات.
انه بيان يستعير لغة البيانات التي كانت تصدر عن حزب البعث في العهد السابق، فكل شيء تمام وعال العال والنجاحات تتوالى والتحديات جسيمة والإرادة قوية والعزيمة صادقة.. والقيادة حكيمة!.. وكما كانت تفعل بيانات البعث لم يقرّ بيان الدعوة بان الخراب عميم!
القيادة حكيمة.. والخراب عميم!
[post-views]
نشر في: 23 مارس, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 2
رمزي الحيدر
ماهو السر الذي يدعو الشعب العراقي أن يقبل بالذل و الإهانة والفقر والفساد .؟؟؟؟؟.
كاطع جواد
كما أسلفت يا أستاذنا المحترم كانت هزيمة صدام المذلة هو وزبانيته حدث مفرح لا بل لا يقاس بالنسبة لك ولي ولكل من تضرر من نظام القهر الصدامي لكن الشيء المؤلم في هذا التغير هو انه لم يتم على يد الشعب العراقي واعني الطلائع الحرة الوطنية وليست التي تتحرك كالدمى