TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > هولوكوست بنكهة عراقية

هولوكوست بنكهة عراقية

نشر في: 24 مارس, 2013: 09:01 م

لا أسهل من تعميم صناعة ملايين الجهلة في غضون أشهر، ولكن ما أشق صياغة نفر من العلماء في سنوات.

كم يلزم من السنوات عددا -بفتح العين- وعددا (بضم العين)، ليستوي الطفل الغرير بشرا سويا، مؤهلا، مكتشفا، مخترعا، منتجا لمحاصيل الفكر والمعرفة؟ يقود لا يقاد، ينجز  لا يتعلل، يعطي أضعاف ما يأخذ، تشع ثقافته ومعارفه إيجابا حيثما حل او ارتحل.

كم من السنوات؟؟ ها؟

لنحسبها حسبة مبتدئ، ولو على أصابع اليد! ثلاث سنوات روضة، ست سنوات ابتدائية، خمس او ست سنوات متوسطة وإعدادية، خمس سنوات أو سبع، جامعة. أربع سنوات تخصص عال،  المجموع ما يقارب الربع قرن يقضيها المرء غاديا رائحا، قارئا، كاتبا، مستذكرا، ناسيا، حافظا،، ما بين أمل بنجاح وخشية من سقوط، بين ترقب لامتحان، وانتظارا لنتائج امتحان. و...و..كل تلك المسرات والأحزان لماذا؟؟ لتؤهله دراسته لأهلية الحياة، لعمل، لخدمة، لعطاء، للعيش ببحبوحة، للمشاركة بإنجاز... فإذا أضفنا لتلك السنوات أعواما  أخر لإنضاج الشخصية وصقل التجربة، ستكون الحصيلة ثلاثين سنة _ أقل قليلا، أكثر قليلا، يسفحها المرء من سنوات عمره المحدود، على اكتساب المعرفة، تلك السنوات -بحلوها ومرها – تكفيها ثوان معدودات لإخماد أنفاس صاحبها برصاصة أو مفخخة غادرة، يا للبشاعة.

هذه المقدمة البديهية -الساذجة ربما- تجعل من التقارير الدولية المعتمدة عن أعداد العراقيين من ذوي الشهادات العالية والاختصاص النادر، الذين قضوا غيلة، او سقطوا صرعى، تجعلها سياط تعذيب، وتؤكد إن مجزرة استهداف ذوي الاختصاص هو الجزء الأهم من قرار تدمير العراق.

إن إيراد رقم يتجاوز الخمسة آلاف من ذوي الشهادات العلمية العالية، مقرونة بالأسماء ونوعية الاختصاص والعمل، يحتاج لوقفة متمعنة، ودراسة مستفيضة من ذوي الشأن، وعدم ترك الأمر يجري على عواهنه بالسلبية والإهمال، ولا ينبغي إسناده للصدفة او الحظ العاثر او القضاء والقدر،

علمونا إن حل المسائل العويصة تبدأ بفرض: المفروض كذا.. وتمر بتحليل وتوطية وطلب: المطلوب إثباته: كذا. ثم تختتم المسألة بالبحث عن البرهان.. وهنا يكمن جوهر المأزق. فالبرهان في خضم أتون المعركة مستحيل. لا أحد يعترف بالخطأ، لا أحد يرتضي اللوم، الكل يدفع عن نفسه تهمة الكيد والغش والتواطؤ.

ما أشبه ما يجري في عراق اليوم من تبديد الكفاءات العراقية وإغراقها بالغياب، ما أشبهها بعملية (الهولوكوست) نشيد الإنشاد في الإعلام اليهودي المعاصر، إشارة لما كابده اليهود في المحرقة النازية.

والهولوكوست تعني: المسلخ، المجزرة، الإبادة الجماعية، استعارها القاموس العراقي بقضها وقضيضها، لضمها لمفرداته وليعممها على النخب الخيرة من أبناء وادي الرافدين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: صنع في العراق

 علي حسين اخبرنا الشيخ همام حمودي" مشكورا " ان العراقي يعيش حاله من الرفاهيه يلبس أرقى الملابس وعنده نقال ايفون وراتبه جيد جدآ ، فماذا يحتاج بعد كل هذه الرفاهية. وجميل أن تتزامن...
علي حسين

قناطر: في البصرة.. هذا الكعك من ذاك العجين

طالب عبد العزيز كل ما تتعرض له الحياة السياسية من هزات في العراق نتيجة حتمية لعملية خاطئة، لم تبن على وفق برامج وخطط العمل السياسي؛ بمفهومه المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، كقواعد وأسس علمية....
طالب عبد العزيز

تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. من يكون رئيس الوزراء؟

إياد العنبر يخبرنا التراث الفكري الإسلامي بأن التنظير للسلطة السياسية يبدأ بسؤال مَن يحكم؟ وليس كيف يحكم؟ ولعلَّ تفسير ذلك يعود لسؤالٍ مأزومٍ في الفقه السياسي الإسلامي، إذ نجد أن مقالات الإسلاميين تبدأ بمناقشة...
اياد العنبر

هل الكاتب مرآةً كاشفة للحقيقة؟

عبد الكريم البليخ لم يكن الكاتب، في جوهره، مجرد ناسخ أو راوٍ، بل كان شاهداً. الشاهد على لحظةٍ تاريخية، على مأساةٍ إنسانية، على حلمٍ جماعي، وعلى جرحٍ فردي. والكاتب الحقيقي، عبر العصور، هو ذاك...
عبد الكريم البليخ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram