للحظ دور في حياة الانسان على الدوام، وفي كل مكان وزمان. فليس بيديك أن تولد فقيرا أو غنيا. هذه مسألة مقررة عليك قبل أن تُبعث. ويمكن اعتبارها مسألة حظ. ولكن هذا الحظ لا يمكن اعتباره قدرا حاكما عليك الى الأبد. فالاجتهاد والإرادة يلعبان الدور الأهم في صناعة مصير الانسان. والأمثلة على من كدوا من الصفر ووصلوا أوسع من أن تحصر.
وليس المجتهدون وإنما عامة هم المقياس في معرفة حجم تأثير الحظ في كل مجتمع من المجتمعات. ومن خلالهم تقيس نسبة تأثير التخطيط أو الحظ في حياة المجتمع. ولعل أهم وحدة قياس لمعرفة دور التخطيط أو الحظ في مجتمع ما هو زواج المرأة.
والمرأة هي على نحو أو آخر كل المجتمع، وإنْ وصفت كميا بأنها نصف المجتمع. فهي، كأم، تعد المؤثر الأول، أو أقوى المؤثرات، في حياة الإنسان. حتى ليمكن القول ان الناس على دين أمهاتهم، كما تكنَّ يكونون. هذه هي القاعدة التي لا يلغيها الكثير من الاستثناءات. فليس واردا على سبيل المثال أن تكون من أنصار السلفية الجهادية اذا كانت أمك نازك الملائكة. هناك دائما شيء ما ترضعه مع حليب أمك، ويترك تأثيره الأبدي على شخصيتك.
إن الأم هي حاضنة الثقافة الاجتماعية، ومرضعة الثقافة الاجتماعية. وبمقدار تشبعها بالعناصر المظلمة أو المتنورة من هذه الثقافة، تعيد صياغة المجتمع. ولذلك لا ينبغي أن يكون الحظ هو العامل المقرر الأكبر في زواج المرأة، لأن ذلك سيجعل المجتمع كله قصة من قصص الحظ والنصيب.
لكن ما هو كائن متعارض تماما مع ما ينبغي أن يكون. فنحن نقول ان الزواج قسمة ونصيب. أي أنه يعتمد كليا على الحظ. وهذا هو الواقع. فليس بين تقاليدنا الفترة الكافية من العلاقة التي تسمح للمرأة بالتعرف معرفة كافية على فارس الأحلام، كما أن زواج القاصرات منتشر عندنا، وهن قاصرات أي عاجزات أصلا عن القدرة على الإختبار والتمييز واتخاذ القرار المناسب. وفوق ذلك فإن قانون الأحوال الشخصية يفتقد الى الضمانات الكافية لتأمين مستقبل الزوجة اذا وقع المكروه. فأقصى حقوق المطلقة في القانون هو استمرار سكنها في منزل الزوجية لثلاث سنوات، وبعدها تخلي الدار، ليلمها أهلها وهي كسيرة أو تضيع .
ومعنى ذلك ان الزوجة أشبه بضيفة في بيت الزوج. فلا نصيب لها في ملكية الدار، وهي بالتالي ليست شريكة حقيقية في بيت الزوجية، كما هو الحال في البلدان المتقدمة، حيث ملكية الدار فيها مناصفة بين الزوجين، بصرف النظر عما اذا كانت ملكيتها مسجلة باسم الزوج او الزوجة. وذلك يشكل أحد أهم وجوه الشراكة الزوجية. فالشراكة المادية تقوي الشراكة المعنوية، وتعلم الجانبين تحمل المسؤولية، وتوطد التكافؤ بينهما، وتوجه الزوجين الى تنمية مكاسب العائلة على كل الصعد. ثم بعد ذلك تجعل الطلاق عسيرا، تجعله فعلا آخر الحلول. وهو حل "يشعل أبو الزوج" قبل الزوجة، خاصة اذا كان لديهما أبناء، ذلك أنه سيديح، بينما تبقى هي مستقرة.
أما عندنا فإن الزوجة أشبه بضيفة، أو بقوة عاملة مُستغَلَة غير محمية، تعتمد مدة اقامتها أو تشغيلها على كرم المضيِّف أو تفهم رب العمل. فإذا ظهر أنه آدمي سلكت الأمور ونجح الزواج. واذا تبين أنه "دنغوس" ضاعت المرأة. المسألة "قسمة ونصيب" فعلا. عمار الدار أو خرابها قضية حظ. هكذا جعل القانون والعرف الزواج عندنا. ولعل هذا هو الأساس الذي جعل كل شيء آخر في مبنى مجتمعنا أيضا قضية "قسمة ونصيب"، لا قضية معرفة وتخطيط.
قسمة ونصيب
[post-views]
نشر في: 24 مارس, 2013: 09:01 م